التاريخ الإسلامي

مميزات كتاب الإقناع للإمام ابن المنذر



تحميل ملف الكتاب

 

مميزات كتاب (الإقناع)

للإمام الكبير أبي بكر بن المنذر

وكذلك كتابيه (الإشراف على مذاهب العلماء) و (الأوسط)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً وبعد:

فإنني قد وقفت بفضل الله تعالى على كتاب (الإقناع) للإمام الكبير العلم أبي بكر بن المنذر -رحمه الله- فألفيته كتاباً مختصراً نافعاً مفيداً من الأهمية بمكان، ويجدر أن يعتني به كل مشتغل بالعلم، فإنه يصلح أن يكون تعليماً للمبتدي وتذكيراً للمنتهي، وقد أعجبت به غاية الإعجاب، فرغبت أن أقدم مزاياه للمشتغلين بالعلم عساهم أن يغتنموه، ويعتنوا به، ويتركوا كثيراً من المتون الفقهية للمتأخرين التي خلت من الأدلة الشرعية وملئت بالأقوال الضعيفة والباطلة، وقد لخصت هذه المزايا فيما يأتي:

أولاً: يتميز كتاب الإقناع أن مؤلفه إمام كبير من أئمة السلف الصالح، وهو الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، وهو إمام مجتهد غاية في التمكن من العلم في الحديث والفقه فلا يتقيد بمذهب بعينه بل يختار ما وافق الدليل الصحيح.

 

قال الحافظ الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء (14/ 491): (قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّيْنِ النَّوَاوِيُّ: لَهُ مِنَ التَّحْقِيْقِ فِي كُتُبِه مَا لاَ يُقَارِبُهُ فِيْهِ أَحَدٌ، وَهُوَ فِي نِهَايَةٍ مِنَ التَّمكُّنِ مِنْ مَعْرِفَة الحَدِيْثِ، وَلَهُ اخْتِيَارٌ فَلاَ يَتَقيَّدُ فِي الاخْتِيَارِ بِمَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ، بَلْ يَدُورُ مَعَ ظُهُوْر الدَّلِيْلِ.

 

قُلْتُ: مَا يَتَقَيَّدُ بِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ إِلاَّ مَنْ هُوَ قَاصِرٌ فِي التَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ، كَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ زَمَانِنَا، أَوْ مَنْ هُوَ مُتَعَصِّبٌ، وَهَذَا الإِمَامُ فَهُوَ مِنْ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، جَارٍ فِي مِضْمَارِ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَابْنِ سُرَيْجٍ، وَتِلْكَ الحَلَبَةِ، رَحِمَهُمُ اللهُ). اهـ

 

ثانياً: يتميز كتاب (الإقناع) أن مؤلفه من الأئمة المتقدمين، فقد ذكر أهل العلم أن الإمام ابن المنذر ولد في حدود موت الإمام أحمد بن حنبل، والإمام أحمد توفي عام (241هـ) وقد توفي الإمام ابن المنذر عام (318هـ) في أصح أقوال أهل العلم، ولا شك أن كتب المتقدمين جدير بأن يعتني بها طالب العلم.

 

ثالثاً: يتميز كتاب (الإقناع) أنه جمع بين الحديث والفقه، فيذكر الأحاديث بأسانيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذكر الفقه المستنبط منها، وقد يتكلم على بعض الأحاديث من حيث الصحة والضعف، وهذه الطريقة تقوي الطالب حديثياً وفقهياً فيكون عالماً بالدليل رواية ودراية.

 

رابعاً: يتميز كتاب (الإقناع) بسهولة عبارات المؤلف، إذ لم يتقعر في الكلام ويأت بغريب الألفاظ، وإنما تكلم بكلام واضح يسهل فهمه للقارئ وكأنه معاصر لنا.

 

خامساً: يتميز كتاب (الإقناع) بأن كلامه مختصر، فهو ليس بالطويل الممل ولا بالمختصر المخل، بل عوان بين ذلك.

 

سادساً: يتميز كتاب (الإقناع) بأن المؤلف نقل الإجماع في كثير من المسائل، فمطالعته تفيد الطالب في معرفة الإجماع الوارد في كثير من المسائل دون الحاجة للرجوع للكتب الأخرى الخاصة بالإجماع غالباً.

 

سابعاً: يتميز كتاب (الإقناع) أنه مستوعب لجميع أبواب الفقه من أول كتاب (الطهارة) إلى (الإقرار) على الرغم من اختصاره.

 

وقد ذكر محقق الكتاب الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين -وفقه الله- في مقدمته أن هذا هو (الكتاب الوحيد من كتب هذا الإمام الذي وجد كاملاً مشتملاً على آرائه الفقهية!) ولا شك أنه قال ذلك قبل رؤيته لكتاب الإمام ابن المنذر (الإشراف على مذاهب العلماء) كاملاً فإنه حينذاك لم يكن طبع منه إلا بعض الأجزاء، ثم بعد ذلك وفق الله الدكتور أبا حماد صغير أحمد الأنصاري فقام بتحقيق كتاب (الإشراف على مذاهب العلماء) وطبع كاملاً بفضل الله تعالى، وهو من الموسوعات الفقهية القيمة التي غفل عنها كثير من الشيوخ وطلبة العلم.

 

ولو قال قائل: إن هذا الكتاب هو الوحيد المسند من كتب هذا الإمام الذي وجد كاملاً مشتملاً على آرائه الفقهية لكان صواباً.

 

وأخيراً: فإن كتاباً بهذه المميزات جدير بالعناية والاهتمام خاصة وأن كتب كثير من المتأخرين من الفقهاء لم يكن مؤلفوها على العقيدة السلفية، وإذ الأمر كذلك فينبغي أن يعض على مثل ذلك بالنواجذ، فهو من القليل النادر، وما أحوجنا لمثله في أيامنا الآن.

 

ويتميز كتابا (الإشراف على مذاهب العلماء) و(الأوسط) للإمام ابن المنذر بجميع ما سبق ما عدا ما يلي:

1- ما ورد في (خامساً) فإن هذين الكتابين توسع فيهما وأكثر من عرض الأدلة وخلاف العلماء، وكتاب (الأوسط) أوسع في ذلك أيضاً فإن كتاب (الإشراف على مذاهب العلماء) مختصر منه.

 

ولا شك أن هذين الكتابين كموسوعة فقهية كبيرة لا تقل أهميتهما ومكانتهما عن كتاب (المغني) للموفق ابن قدامة، وكتاب (المجموع) للنووي –رحمهم الله جميعاً- بل لأهمية فقه الإمام ابن المنذر ومدى اجتهاده؛ أكثر جداً من النقل عنه ابن قدامة والنووي في كتابيهما.

 

2- ما ورد في (ثالثاً) لا يشمل كتاب (الإشراف على مذاهب العلماء) من كل جهة لأنه اختصره بحذف أسانيده، وكتاب (الأوسط) أوسع على الإطلاق في هذا الجانب من حيث ذكر الأحاديث والآثار بالإسناد.

 

3- ما ورد في (سابعاً) لا يشمل كتاب (الأوسط) لأنه لم يطبع كاملاً إذ هناك بعض الأجزاء منه مازالت مخطوطة في حكم المفقود، يسر الله الحصول عليها وإخراجها ليستفيد المسلمون منها.

 

تنبيه هام: فإن هذا الكتاب كغيره من الكتب العلمية يوجد به بعض المسائل قد جانب فيها الإمام أبو بكر بن المنذر –رحمه الله– الصواب، وهو مأجور على اجتهاده، ورحم الله من قال: (أبى الله أن يتم إلا كتابه)، ولكن جدير بمن وقف على قول له أو لغيره -في أي كتاب كان- يخالف الأدلة الشرعية الصحيحة ألا يتعصب لقوله ولا لقول فلان أو علان، وإنما يتبع الدليل وينصاع للحق، وقد قال بعض أئمة السلف الصالح: أهل السنة يدورن مع الحق حيث دار.

 

وأشكر الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين على ما قام به من جهد مشكور في تحقيق كتاب (الإقناع) وإخراجه في صورة جيدة، وأشكر الدكتور أبا حماد صغير أحمد الأنصاري على جهده في تحقيق كتاب (الإشراف على مذاهب العلماء) وأشكر مجموعة المحققين الذين قاموا بتحقيق كتاب (الأوسط)، وأسأل الله تعالى أن ييسر الحصول على بقية مخطوطات الكتاب المفقودة ليطبع كاملاً بعد ذلك.

 

هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

كتبه

أبو عبد الله

وائل بن على بن أحمد آل عبد الجليل الأثري

الأحد: 21/ صفر/ 1433هـ

15/ يناير/ 2012م

alsalafy1433@hotmail.com





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى