Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

صحابة منسيون (2) خفاف بن نضلة الثقفي


صَحـابـةٌ مَـنْسِيـُّون

خُـفافُ بْنُ نَضْلَةَ الثَّقَفِيّ

عرضنا في مقال سابق تحت هذا العنوان للصحابي الجليل: خُفاف بن نُدْبةَ السُّلَمِيّ، وفي مقالنا هذا نتحدث عن صحابي آخر، نسيه أصحاب السير.

 

(2) خُـفافُ بْنُ نَضْلَةَ الثَّقَفِيُّ:

هو خُفَافُ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَهْدَلَةَ الثَّقَفِيُّ، نسبة إلى قبيلة ثقيف العربية التي كانت تعيش بالطائف وما زالت، وهي إحدى قبائل قيس عيلان المعروفة بالقبائل القيسية، وقد أسلمت ثقيف متأخرة في رمضان من العام التاسع للهجرة بعد غزوة الطائف.

 

وحياة هذا الصحابي الجليل- مع الأسف- يكتنفها غموض شديد، فلا نجد له ترجمة توضح معالم حياته، سواء في الجاهلية أو الإسلام؛ فكل المصادر التي تحدثت عنه لا تذكر لنا إلا وفادته على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسلامه في إيجاز شديد، دون أن تذكر لنا شيئًا عن حياته في الجاهلية أو في الإسلام، ولكن نستطيع أن نستنتج أنه أسلم في جمادى الآخرة من السنة الثانية من الهجرة، وبذلك يكون سبق قومه في الإسلام بسبع سنين؛ (انظر الهامش: 2).

 

وفادته على النبي صلى الله عليه وسلم وسبب إسلامه:

قصة إسلام خفاف بن نضلة عجيبة غريبة؛ ويبدو أن الرجل كان على اتصال بالجن، فبينما كان نائمًا ذات ليلة جاءه في المنام جِنيٌّ مسلم، ودعاه إلى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، والاستجابة لدعوته، وقد تكرَّر ذلك في ليال عدة؛ مما حدا به أن يستجيب لدعوة هذا الجنيِّ؛ فيرحل على ناقته متحملًا كثيرًا من المتاعب والمشاق؛ حيث قطعت به صحراء جرداء مقفرة، لا نبات فيها ولا ماء، ويفد على الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده، ويخبره شعرًا بقصته مع الجني، وما لاقاه في رحلته، ثم يعلن إسلامه.

 

وأول مصدر- فيما أعلم- ترجم له، هو كتاب (معجم الشعراء) للمرزباني (297 – 384 هـ)؛ إذ كل من ترجموا لخفاف نقلوا عنه.

 

والكتاب مقسم إلى أبواب على حروف المعجم؛ لكن مع الأسف فُقِد منه الجزء الأول الذي فيه ترجمة خفاف؛ حيث عثر عليه ناقصًا، مبدوءًا بحرف العين.

 

وخبر إسلامه رواه ذابل[1]بن الطفيل بن عمرو الدُّوسيّ؛ فقد روت جمعة أو جميعة – شك من الرواة – بنت ذابل بن طفيل بن عمرو، عن أبيها ذابل بن طفيل بن عمرو الدوسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد في مسجده منصرفه من الأباطح[2]، فقدم عليه خفاف بن نضلة بن عمرو بن بهدلة الثقفي، فأنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم[3]:

 

فاستحسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “إن من البيان كالسحر، وإن من الشعر كالحكم”.

 

التعليق على هذه الرواية:

الحقيقة في النفس من هذه الرواية شيء؛ وذلك للأسباب الآتية:

أولًا: أنها رويت عن طريق واحد فقط، هو ذيال بن الطفيل، كما أجمعت المصادر التي بين أيدينا، وذيال هذا لا يُعرف له رواية غيرها، ولا ذكر، قال أبو نعيم عن إسلام خفاف بن نضلة: “وفد على النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه ذيال بن طفيل، ذكره بعض المتأخرين، ولم يـزد على ما حكيت عنه، ولا يُعرَف له رواية ولا ذكر”؛ (معرفة الصحابة: 2 / 986).

 

ثانيًا: كل من ترجموا له نقل بعضهم عن بعض نفس الرواية تقريبًا، ومصدرهم الأول والأساس كتاب المرزباني (معجم الشعراء)، وهو ليس من كتب الحديث، ولا كتب التفسير أو السير التي يُسْتنَد إليها في مثل هذا.

 

رابعًا: أن استحسان النبي صلى الله عليه وسلم لشعره، وإعجابه به بقوله: “إن من البيان كالسحر، وإن من الشعر كالحكم”، كلام فيه نظر لأمرين:

أ- أن الحديث لم يرد بهذا النص في كتب السنة المعتمدة، وإنما ورد بصيغ أخرى تدور حول هذا المعنى، ولم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك إعجابًا بشعر خفاف بن نضلة إلا في (معجم الشعراء)، ثم تناقله الآخرون عنه، وتذكر بعض الروايات مناسبات أخرى لإعجاب النبي صلى الله عليه وسلم، أولى بالتصديق، كإعجابه ببعض الخطباء أو الشعراء؛ فقال ما قال.

 

ب- أن أبيات خفاف هذه ليس فيها من سحر البيان، وجمال الأسلوب، وروعة الحكم، ما يستدعي إعجاب النبي صلى الله عليه وسلم بها، وهو- كما نعلم- سيد الفصحاء، وإمام البلغاء.

 

معاني بعض المفردات:

القلوص من الإبل: الفتيَّة الشابة.

المَهْمَه القفر: الأرض الخلاء التي ليس بها ماء، والجمع: مَهامِه.

الفلوات: جمع فلاة، وهي الصحراء.

فِلٌّ: الفِلُّ: الأرض المجدبة، التي لا نبات بها.

التوريس والورس: نبات أصفر، يُستعمَل في الصبغ.

الإسنات: الجدب، من قولهم: أسنت القوم؛ أي: أجدبوا.

وَجْرَة: موضع بين مكة والبصرة، ليس فيها منزل فهي مرتع للوَحْشِ، كما أنها مأوى للجن.

مُواتي: مطاوع وموافق.

احْزألَّ: ارتفع واجتمع وانضم بعضه إلى بعض.

الناجية: الناقة السريعة التي تنجو بصاحبها.

نَيِّها: النَّـيُّ: الشحم والسِّمَن، يقال: نوت الناقة، إذا سمنت.

جـمز: ضرب من السير سريع.

تَـخُبُّ: تهرول وتُسرِع.

الأكَمات: جمع أكَمَة، وهي التل أو المكان المرتفع.

 

المصادر والمراجع:

أسد الغابة: ابن الأثير، دار ابن حزم، طبعة أولى، 2012.

الإصابة: ابن حجر العسقلاني، مركز هجر للبحوث والدراسات، القاهرة، ط1، 2008.

بغية الطلب في تاريخ حلب: ابن العديم، دار الفكر، بيروت.

تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، دار الفكر، بيروت 1995.

تهذيب اللغة: الأزهري: الدار المصرية للتأليف والترجمة.

الجبال والأمكنة والمياه:

الخصائص الكبرى: السيوطي، دار الكتب الحديثة، القاهرة:

دلائل النبوة: البيهقي، دار الكتب العلمية، ط1، 1988.

السيرة النبوية: ابن هشام، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

سبيل الهدى والرشاد: محمد بن يوسف الصالحي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1997.

شرف المصطفى: الحافظ الخركوشي النيسابوري، دار البشائر الإسلامية، ط1، 2003.

لسان العرب: ابن منظور، طبعة دار المعارف، مصر.

معجم البلدان: ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، 1977.

معجم ما استعجم: البكري، عالم الكتب، بيروت، 1403 هـ.

معرفة الصحابة: أبو نعيم الأصبهاني، دار الوطن للنشر، 1998.

نهاية الأرب: النويري، دار الكتب العلمية، ط1، 2004.

الوافي بالوفيات: صلاح الدين الصفدي، ط الجمعية الألمانية، دار صادر، بيروت، 1999.


[1] في معرفة الصحابة: ذيال، وقد وقع صاحب تاريخ دمشق في الاضطراب؛ حيث قال: “عن جمعة أو جميعة بنت زائل بن طفيل بن عمرو، عن أبيها نائل بن طفيل”، فسماه مرة (زائل)، ومرة (نائل)، ولعل ذلك من عمل النُّسَّاخ.

[2] الأباطح: جمع بطحاء، والبطحاء: أصله المسيل الواسع فيه دقاق الحصى، وهو التراب السهل في بطونها مما قد جرَّته السيول، يقال: أتينا أبطح الوادي وبطحاءه مثله، وهو ترابه وحصاه والسهل اللين، وقال بعضهم: البطحاء كل موضع متسع.

وقد نزل النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها: ذات الساق، فصلَّى تحتها، وذلك في جمادى الأولى من السنة الثانية من الهجرة النبوية؛ حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم يطلب قافلة لقريش ذاهبة إِلى الشام، وسار صلى الله عليه وسلم حتى بلغ العُشَيْرة من أرض بني مُدْلِج، فوجد القافلة قد فاتته، وقد وادعَ النبي صلى الله عليه وسلم بني مدلج وحلفاءهم وعقد معهم معاهدة، ثم عاد إلى المدينة، دون أن يلقى كيدًا. وبطحاء ابن أزهر تسمى اليوم الدعيثة أو العزيزية غرب المدينة المنورة، ومن هنا نستنتج أن خفاف بن نضلة أسلم في السنة الثانية من الهجرة.

في جميع المصادر ما عدا سبل الهدى والرشاد: الأباطل أو الأباطيل، بدل الأباطح، ولم أجد فيما بين يديَّ من كتب البلدان ما يسمى بهذا الاسم، فهو تحريف، والصواب ما أثبتناه، والله تعالى أعلم.

[3] ينظر: شرف المصطفى:1/ 233، معرفة الصحابة: 2/ 986، دلائل النبوة: 2/ 260، تاريخ مدينة دمشق: 3/ 455، أسد الغابة: 35، بغية الطلب في تاريخ حلب: 1251، نهاية الأرب: 18/ 95، الإصابة: 3/ 308، الخصائص الكبرى: 2/ 199، سبل الهدى والرشاد: 6/ 500، الوافي بالوفيات: 13/ 351.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى