الدرعية في المصادر التاريخية
الدرعية في المصادر التاريخية
الدرعية بلد يقع على ضفاف وادي حنيفة في العارض من بلاد اليمامة وسط الجزيرة العربية، وقد بدأ تاريخها الحديث في سنة850هـ حيث قدم مانع بن ربيعة المريدي من بلد الدروع المعروفة بالدرعية من نواحي القطيف على ابن درع وذلك عندما حل ببلده وباء وحُمَّى، وكان ابن درع رئيسًا للدروع أو لطائفة منهم[1]، وكان مع مانع المريدي أولاده ورجاله وأتباعه فأقطعه ابن عمِّه ابن درع المليبد وغصيبة وما بينهما، وهي منطقة ضيقة لا تتجاوز مساحتُها خمسة أكيال في عرض الوادي؛ ولكن هذه الهجرة صادفت قبولًا كما يقول ابن بشر، فبُورك لمانع في المال والولد، فأخذ النمو والتطور يزدادان يومًا بعد يوم حتى أصبحت الدرعية الجديدة واسطة عقد هذا الوادي[2]، وبسبب هذا التطور كثر جيران المردة من الموالفة وغيرهم[3].
وقد كان آل يزيد يسكنون المنطقة قبل ذلك ثم قلَّ عددُهم، قال الشيخ حمد الجاسر رحمه الله: آل يزيد من أقدم من عرف في العصور الأخيرة من بقايا سكان وادي حنيفة القدماء، واستدل بما ذكره الحموي في معجم البلدان في رسم: غائط بني يزيد، قال: نخل وروض باليمامة، نقله عن ابن أبي حفصة[4]، وابن أبي حفصة واسمه محمد بن إدريس من أهل اليمامة الخبيرين بها؛ إذ إن له مؤلفًا عنها، فلعلها سُمِّيت نسبة إليهم[5].
وقال فلبي: وكان سكان وادي حنيفة وهم فرع من قبائل آل يزيد الحنفيين، يملكون واديهم كاملًا من ممرِّ الحيسية حتى الخرج، وقد تنازلوا لا بن درع قبل زيارة مانع بمدة قصيرة عن بعض أملاكهم[6].
وذكر المؤرخون أنهم باعوا سنة 850هـ العيينة لحسن بن طوق جد آل معمر، فقال الفاخري: في سنة 850هـ اشترى حسن بن طوق جد آل معمر العيينة[7] من آل يزيد الحنفيين أهل الوصيل والنعمية[8] ومن ذريتهم آل دغيثر[9] ورحل من ملهم ونزلها وعمرها وتداولها ذريته من بعده[10].
قال فلبي: ولم يتبق لآل يزيد إلا جزء من الوادي يمتد من شمالي غصيبة حتى الجبيلة، وكانت مناطق سكناهم الوصيل والنعمية[11]، وقال ابن عيسى:” وكان ما فوق المليبد وغصيبة لآل يزيد من بني حنيفة، وكان جميع الوصيل مما فوق سمحة لآل يزيد، ومن الجبيلة إلى الأبكّين الجبلين المعروفين”[12]، وسبب هذه الإجراءات من تنازل عن جزء كبير من أملاكهم لابن درع وبيع العيينة لحسن بن طوق فقد يكون السبب أمراضًا فتكت بكثير منهم؛ مما صعب معه القيام بالعمل في هذه الأراضي الشاسعة، أو بسبب حروب طاحنة، وفي نفس السنة (850ه) قدم مانع بن ربيعة المريدي كما تقدم.
وأسباب منح ابن درع مع ابن عمِّه مانع المريدي إرادة ابن درع أن يتكثر ببني عمِّه من الدروع، وأن يجعل بني عمِّه درعًا واقيًا له من آل يزيد الذين يملكون الوصيل وما فوقه من وادي حنيفة بينما يملك ابن درع حجر والجزعة وما فوقهما إلى محاذاة آل يزيد[13].
ثم تولى ربيعة بعد أبيه مانع فرغب في توسيع مناطق نفوذه، فوقعت وقائع بينه وبين آل يزيد بسبب ذلك، ثم إن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي استلم الحكم من والده بالقوة فلجأ والده إلى حمد بن حسن بن طوق رئيس العيينة، فبقي عنده، وعالج ما لحق بدنه من جراحات بسبب مقاومته لولده، وما زال موسى بن ربيعة يزداد قوة، فرغب في توسيع نفوذه فبدأت سلسلة من الهجمات على آل يزيد، وجُرِح في إحداها جراحات شديدة، ثم هاجمهم بغتة بعد شفائه ومعه الموالفة[14]، ولم يكن مع آل يزيد سلاح؛ فقتل منهم ثمانين رجلًا ونجا الباقون[15]، قال ابن عيسى: “وهي الوقعة التي يضرب بها المثل في نجد فيقال: صبحهم فلان صباح الموالفة لآل يزيد[16]”. قال فلبي: فلم يرد لهم ذكر بعد ذلك التاريخ إلا عائلة الدغيثر[17]، وقد قتل موسى بن ربيعة بالعيينة سنة 1139هـ
وقد تولى محمد بن سعود إمارة الدرعية في1139هـ/ 1727م، بعد مقتل أميرها زيد بن مرخان بن وطبان، وأسس إمارة أصبحت فيما بعد انطلاقة لتأسيس الدولة السعودية الأولى وهو يوم التأسيس، ثم قامت الدولة السعودية الأولى في الفترة (1157 – 1233 هــ / 1744 – 1818 م) بعد أن كانت شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن الثاني عشر الهجري الموافق للثامن عشر الميلادي تعيش حالة من التفكُّك وانعدام الأمن؛ مما أوجد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، إضافة إلى انتشار البدع والخرافات، فمهَّد هذا الأمر لعمل تحالف بين أمير الدرعية محمد بن سعود وبين محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله.
وبدأ الشيخ «محمد بن عبد الوهاب» دعوته في الدرعية بعد اتفاقه مع الأمير «محمد بن سعود»، الذي عُرف تاريخيًّا باتفاق الدرعية عام (1157هـ/ 1744م)، كما قام الأمير «محمد بن سعود» بالتركيز على استتباب الأمن ونشر الدعوة الإصلاحية داخل الدرعية، وبقي الشيخ عامين يدعو الناس فيها إلى التوحيد الخالص، فقام بمراسلة العلماء والأمراء يدعوهم فيها لقبول دعوته الإصلاحية، والانضمام إلى الأمير «محمد بن سعود»، وابتدأ بأهل نجد فكاتب علماءها وأمراءها، وكاتب علماء الأحساء وعلماء الحرمين الشريفين، وكذلك كاتب العلماء من خارج الجزيرة، علماء مصر والشام والعراق والهند واليمن، وانضم الكثير ممن صدقوا دعوته، مثل بلدة العُيينة، وحريملاء، وبلدة منفوحة، وبلدان العارض مثل العمارية، والقويعية، وشقراء، والحوطة، والمحمل، وثادق، والقصب، والفرعة، وثرمداء. وأعلن بعض البلدان معارضة الانضمام للدرعية، فجابهها أمير الدرعية بجيوشه حتى دخلت معظم بلاد الجزيرة العربية تحت لوائها.
وبسبب التوسع الكبير حاربت الدولة العثمانية الدولة السعودية وسَعَت لإسقاطها، ففشلت الحملات في البداية، ثم أرسل القائد الشهير إبراهيم باشا قادمًا من مصر عام 1818م 1233/ هــ إلى الدرعية وأمر بهدم أسوارها، وعمل على أسر الأمير عبدالله بن سعود رحمه الله وعدد كبير من عائلته وأنصاره بعد حصار دام ستة أشهر، وبذلك انتهت الدولة السعودية الأولى، لتنتقل العاصمة بعد ذلك إلى الرياض.
وقد اهتمت المملكة بالدرعية وتُوِّج هذا الاهتمام بإعلان منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة أن حي الطريف في مدينة الدرعية موقع تراث عالمي، وذلك خلال اجتماع لجنة التراث العالمي باليونسكو في دورته الرابعة والثلاثين المنعقد في مدينة برازيليا بالبرازيل في 29 يوليو2010م ليصبح الحي الموقع السعودي الثاني الذي يتم تسجيله في قائمة التراث العالمي بعد اعتماد تسجيل (موقع الحجر (مدائن صالح، وفي 20 ديسمبر 2021 اختارت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) الدرعية عاصمة للثقافة العربية للعام 2030 لتصبح ثاني مدينة سعودية يتم اختيارها بعد الرياض في عام 2000م.
وأهم الأحياء الأثرية في الدرعية:
1) حي غصيبة: ويقع في أعلى وادي صفار على بعد 3 كم شمال حي المليبيد، ويتميز حي غصيبة بموقعه الاستراتيجي الحصين؛ إذ يقع على رأس جبل فيما يشبه رأس مثلث، يطل رأس هذا المثلث من جهة الجنوب على التقاء شعيب قليقل في وادي حنيفة ثم يأخذ في التوسع عند الاتجاه إلى الشمال نحو ظهرة ناظرة، وقد سكنه المردة في البداية ثم انتقلوا إلى حي الطريف، وسكنه بعدهم آل دغيثر.
2) حي الطريف: وفيه معظم المباني الإدارية في عهد الدولة السعودية الأولى، كقصر سلوى الذي تم إنشاؤه أواخر القرن الثاني عشر الهجري، وكانت تدار منه شؤون الدولة السعودية الأولى، وكذلك جامع الإمام محمد بن سعود، وقصر سعد بن سعود، وقصر ناصر بن سعود، وقصر الضيافة التقليدي الذي يحتوي على حمام طريف، ويحيط بحي الطريف سور كبير وأبراج كانت تستخدم لأغراض المراقبة والدفاع عن المدينة.
3) حي البجيري: وفيه سكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبنى له الإمام محمد بن سعود ولتلاميذه مسجدًا كبيرًا وأماكن لإقامتهم، وصار منارة علمية للتعليم الديني واللغوي في ذلك العهد، وموقعه على الجهة الشرقية لوادي حنيفة، مقابل حي الطريف.
4) حي المُلَيْبِيْد: يقع في الجهة المقابلة لمصب وادي صفار بوادي حنيفة، وذلك في أسفل الدرعية من جهة الجنوب باتجاه عرقة.
5) حي سمحان: يتشكَّل حي سمحان من عدد من المباني الطينية التراثية، يقدر عددها بـ (36) مبنى ذات طابق أو طابقين.
وقد اعتنى المؤرخون بإفراد الدرعية بمؤلفات خاصة، فمن أبرز المؤلفين والمؤلَّفات:
1) أقدم الكتب المفردة عن الدرعية: كتاب (الدرعية العاصمة الأولى) لابن الدرعية المؤرخ الأديب الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله، وهو كتاب ماتع بأسلوب رائع وسرد مشوق.
2) أصدرت مكتبة العبيكان كتاب (الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى) لمحمد العيسى، ويتميَّز بحسن الإخراج وجودة الصور وهو مختصر يُناسِب القارئ الذي يعشق المختصرات.
3) كتاب (الدرعية نشأةً وتطورًا) للمؤرخ الدكتور عبدالله العثيمين رحمه الله، ويتميز الدكتور باطلاعه الواسع على كتب التاريخ العربي والكتب المؤلفة بالإنجليزية للرحَّالة وزوار المنطقة.
4) الدكتور عثمان الصوينع كتب عن الدرعية هذا الكتاب الرائع بعنوان (العاصمة التاريخية للدعوة السلفية “الدرعية”) والذي ينمُّ عن اطلاع واسع، وصدر عن مطابع الفرزدق، الرياض، الطبعة الأولى، 1420هـ/ 1999م،
5) كتاب من أصالة الماضي العريق والحاضر المجيد للدرعية، للباحث عبدالرحمن العبد اللطيف، وقد صدر في الرياض، الطبعة الأولى، 1996م، وفيه معلومات إضافية.
6) المؤرخ عبدالحكيم العواد أخرج بحثًا ماتعًا وكتابًا نافعًا بإخراج رائع نتيجة لاستقراء واسع، عنوانه (الدرعية بين باب سمحان وباب سلمان).
7) كتاب فخم بتقديم خادم الحرمين الشريفين وفَّقه الله للخير، للمؤرخ النبيل الدكتور راشد العساكر، بعنوان (تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الدرعية)، ويتميَّز بوثائق مهمة.
8) صمود وشجاعة أهل الدرعية ضد الحملة القادمة من مصر بقيادة السفاح إبراهيم باشا- أخزاه الله- كانت محلًّا للبحوث الأكاديمية، ومنها:
♦ حملة إبراهيم باشا على الدرعية وسقوطها، للباحثة فاطمة القحطاني.
♦ بطولات وقائع معركة الدرعية الخالدة، تأليف الدكتور محمد السلمان.
♦ التحصينات الخارجية الدفاعية للدرعية إبان عهد الدولة السعودية الأولى، للباحث سليمان الشهري.
9) دراسة بعنوان (مجمع الدرعية في عهد الدولة السعودية الأولى)، للباحث عبدالله المطوع، الجمعية التاريخية السعودية، الرياض، 1424هـ/ 2003م، وفيه فوائد مهمة.
10) بعض الكتب من إصدار جهات حكومية وهي للزائر والسائح وليست للمؤرخ، منها:
♦ امتداد قصر سلوى وقصر عبدالله بن سعود.
♦ الدرعية أصالة الماضي وإشراقة الحاضر.
♦ حمام الطريق وملحقاته.
♦ الدرعية والدولة السعودية الأولى، لويليام فيسي.
11) لهجة أهل الدرعية كانت محلًّا للدراسة والبحث من الباحثة مشاعل الشبيب، بعنوان (ظواهر وألفاظ لغوية في لهجة أهل الدرعية)، وهو بحث لغوي رائع.
12) من البحوث المهمة عن الدرعية: مجلة الدرعية.
13) من الكتب التي تستحق القراءة وتتعلق بتاريخنا الوطني، وخاصة الدرعية كتاب (مجتمع الدرعية في عهد الدولة السعودية الأولى) للدكتور عبدالله المطوع.
14) وأما كتاب (الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى للدكتور عبدالحكيم عبدالغني قاسم – مكتبة مدبولي) وقد كتب عنه المؤرخ الدكتور عبدالحكيم العواد بأنه كتاب ضعيف.
ولا زالت الدرعية تستحق من الدراسات ما هو جديرة به، وأسأل الله العون على كتابة كتاب شامل مناسب للترجمة للغات الحية تناسب توجُّه المملكة في جعل الدرعية بلدة جاذبة للسياحة.
[1] جعله ابن عيسى في “تاريخ بعض الحوادث في نجد” رئيسًا للدروع، ومثله في “مجموع في التاريخ النجدي/ 36” ضمن الخزانة التاريخية لابن بسام 9/ 36، وأما ابن خميس فذكر في تاريخ اليمامة 4/ 31 أنه رئيس لبعضهم.
[2] تاريخ اليمامة 4/ 31.
[3] “مجموع في التاريخ النجدي” ضمن الخزانة التاريخية لابن بسام 9/ 36
[5] الجمهرة 2/ 976.
[6] تاريخ نجد لفلبي/ 4-5.
[7] ذكر ابن خميس حدودها في تاريخ اليمامة 5/ 125.
[8] قال ابن بشر 1/ 17: موضعان في الوادي- أي: وادي حنيفة- أعلى الدرعية، وقال الجاسر في الجمهرة 2/ 836: ويقعان بين الدرعية والجبيلة.
[9] يقال بأن آل يزيد أهل الوصيل والنعمية لم يبق منهم إلا عائلة واحدة وهم آل دغيثر، مع أنه يوجد عوائل من آل يزيد ساكنة في الرياض قبل هذه الحوادث كما سيأتي. وهذا ما جعل المغيري يقصر آل يزيد في آل دغيثر حيث قال: آل يزيد بطن من حنيفة بقاياهم آل دغيثر الموجودون الآن. المنتخب/ 422.
[10] تاريخ الفاخري/ 60، وتاريخ ابن عيسى المتمم لتاريخ ابن بشر/ 35.
[12] “مجموع في التاريخ النجدي” ضمن الخزانة التاريخية لابن بسام 9/ 36.
[13] تاريخ اليمامة 4/ 31.
[14] الموالفة لفظ مأخوذ من التآلف والتعاون والتناصر وليسوا فخذًا مستقلًّا؛ حيث إننا لم نجد لهم ذكرًا في كتب التاريخ بعد هذه القصة، فهم أحلاف من بعض الدروع والمردة وغيرهم؛ ولهذا قالوا في المثل: صبحهم صباح الموالفة لآل يزيد، فجعلوا جميع المهاجمين من الموالفة، وهذا يؤيد ما ذكر، فما ذكره الشيخ حمد الجاسر رحمه الله في المعجم بعيد، بدلالة أنه ذكر أن آل مديرس من آل يزيد في صفحة 800، ونقل عن ابن لعبون في تاريخه قوله: والموالفة الذين بقاياهم آل سعود وآل وطبان وجميع الدروع وآل مديرس وآل عبدالرحمن شيوخ ضرماء فقتلوا آل يزيد قتلًا ذريعًا …” وانظر تاريخ ابن لعبون صفحة 31، فجعله آل مديرس من الموالفة مع أنهم من آل يزيد أهل الرياض يدل على أن الموالفة مجموعة أحلاف وليسوا فخذًا مستقلًّا.
[16] في كتاب الدولة السعودية للدكتور عبدالرحيم عبدالرحمن/ 31: آل يزيد وآل دغيثر، وهو خطأ.
[17] تاريخ ابن ضويان / 20، تاريخ فلبي / 5، المنتخب/ 422، وهذا يؤكد ما ذكر، من أن آل يزيد قسمان، وأن القسم الذي في الوصيل والنعمية انقرضوا ولم يبقَ منهم إلا عائلة آل دغيثر.