غانم ومحفوظ وجبير وصنع الله والغيطانى.. شهود على نهاية عصر
ثقافة أول اثنين:
يقول المترجم أيمن شرف فى كلمته، كتاب يتناول بالبحث ظاهرة اجتماعية – أدبية تشكلت بدايتها الاجتماعيه فى سبعينيات القرن الماضى وتبلورت ادبيا فى ثمانياته تقريبا، فلماذا نترجمه الآن بعد نحو 40 عاما من الحدث و25 عاما من صدور الكتاب نفسه؟
زاوية النظر إلى ظاهرة “التحول – التغيير – الانكسار” فى أنماط سلوك شرائح واسعة من المصريين، وطريقة معالجة هذه النظرة فى إطار نماذج مختارة من أعمال أدبية وتوسيع دائرة البحث لتشمل السياق الأدبى السابق على هذا الاتجاه “أدب الانفتاح” كما سماه المؤلف لتحديد سماته قياسا على غيرها والرجوع إلى المعطيات الاقتصادية والسياسية التى دفعت باتجاه “هذا الانفتاح” لنكتشف أن جذوره أو قل دوافعه تعود إلى نهايات عهد عبد الناصر وليست مجرد “اختيار” فرضه “ميل” السادات إلى الغرب.. كل هذا يجعل من “الدراسة – الكتاب” نموذجية بالمعنى الأكاديمى.
لكن زاوية التحليل الاجتماعى – تشريح الشخصيات والتقاط أهم مكوناتها ومحركاتها – فى أعمال فتحي غانم ونجيب محفوظ وعبده جبير وصنع الله إبراهيم وجمال الغيطانى: “قليل من الحب كثير من العنف، الحب فوق هضبة الهرم، أهل القمة، تحريك القلب، اللجنة، رسالة البصائر فى المصائر” تجعلنا نتوقف أمام ما يمكن اعتباره البدايات الأولى “للتحول -التغيير – الانكسار” فى مسار المجتمع المصرى – الذى نبتت بذرته في سبعينيات القرن الماضى، وازداد عمقا وتشعبا عبر العقود الأربعين التالية لنرى نتائجه فى مزيد من تحلل قيم إيجابية للجماعة الإنسانية المصرية لصالح قيم فردية سلبية.
فتحى غانم يحاول فهم أسباب تحول بشر مسالمين إلى وحوش فيرصد كعادته فى متابعة الصراع باعتباره المحرك الأساسى للسلوك الإنسانى فى “قليل من الحب كثير من العنف” الصراع من أجل النفوذ والمال والشهرة، في عصر الانفتاح حبث تراجعت التقاليد القديمة وظهرت قوى جديدة كانت مستبعدة وكأنه يوثق للتاريخ الاجتماعى الحى الذي يعايشه: صراع شريحتى الاغنياء الجدد والطفيليين الناشئين ضد الأغنياء القدامى لنيل المكان الاجتماعية الأعلى بعد امتلاك المال، بما يتطلبه ذلك من إزاحتها، وفى النهايه تنتصر قوى العنف اللانسانية على قوى الحب البشرية، حيث تتكشف فى السبعينيات بوضوح الحيوانيه والوحشية بدرجه غير مسبوقة بدرجه تشير الدهشه والخوف لدى غانم نفسه.
ونجيب محفوظ كعادته مرتديا حله المؤرخ الاجتماعى فى كثير من أدبه فى “الحب فوق هضبة الهرم” العجز عن تحقيق الرغبات الأساسية لجيل جديد من الطبقة الوسطى: الزواج، من خلال نموذج شاب متمرد على القواعد والتقاليد والحسابات المنطقية لإنشاء علاقة رسمية فيمارس الحب مع زوجته كآخرين من سارقي المتعه فى الخلاء تحت سطح الهرم، وفى “أهل القمة” يظهر عجز نفس تلك الطبقة عن القدرة على العيش بكرامة فى ظل انقلاب مفاهيم “الشرف” رأسا على عقب.
وعبده جبير فى “تحريك القلب” يكاد يوقف الزمن ويجرد المكان من دلالاته المباشرة ليقدم عجز جميع سكان بيت يوشك على الانهيار عن مواجهة كارثة محدقة لا تنقطع الإشارات الدالة عليها، فتصبح اللامبالاة والعزلة – حتى عن بقية أفراد الأسرة الواحدة – والتمحور حول الذات حلا وحالة إنسانية، نعم، أفراد أسره من الطبقة الوسطى انحدر بهم ماض عريق إلى حاضر لا يستطيعون مواجهته أو التكيف معه بدون ان تتحلل “قيمهم” الاجتماعيه ويصبحون أفرادا هائمين فى الفراغ.
وبتصعيد – تغلب عليه السخرية المركبة – نحو مستوى سياسى يقدم صنع الله إبراهيم مواطنا – مثقفا- يساريا مع سلطة رأس مالية جشعة – ذات طابع عالمى – فيكتشف انه عاجز عن هذا التكيف وأن عدم صياعه لها سيكلفه حياته فيكفر عن خطئه بان يتقبل حكمها النافذ عليه بأن يأكل نفسه، آملا أن يأتى جيل قادم يدرك ضرورة مواجهة تلك السلطة لا التكيف معها.
ويرسم جمال الغيطانى بمأساوية – تكاد تكون مفرطة – فى “رسالة البصائر فى المصائر” صورة لـ 15 مصيرا إنسانيا تتدرج من فقدان النخوة والإخلاص والتخلى عن الواجب الإنسانى تجاه الآخرين، مرورا بالانسحاق أمام سلطة المال والشك فى قيم “الوطنية” وروح الاستشهاد والانزلاق الى خيانه المجتمع وتحلل قيم الأسرة وأدوار أفرادها وحتى الموت والاغتصاب بلا نصير فى “الغربة”.