الغموض والجريمة والفانتازيا نموذجا.. هل يتأثر مستقبل الرواية بمنصات العرض؟
ثقافة أول اثنين:
إن السؤال الذى يطرح نفسه، أو ربما يسأله بعض الأدباء حول العالم لأنفسهم، يتعلق فى مضمونه بمدى ارتباط وتأثير منصات العرض على الرواية، فإذا كانت الجوائز الأدبية هى ما يطمح إليه أى كاتب فى أى مكان، ناهيك عن حجم المبيعات التى تحققها روايته، فإن تحويل روايته إلى مسلسل أو فيلم صارا أملا ربما أكبر من حصوله على أى جائزة أخرى.
لا يخفى على الكاتب أو دار النشر أن حصول الرواية جائزة مهما كان حجمها، فإنه لا يحقق للكاتب والرواية معا نفس الشهرة التى تحققها المنصات الإليكترونية التى تمنحه شهرة عالمية بفضل الترجمة الفورية للمعالجة الدرامية لنص الرواية، وإذا ما تحققت الشهرة لهذه المعالجة أى المسلسل أو الفيلم، فقد تتوالى عليه عروض دور النشر الأجنبية الساعية لإصدار نسخة مترجمة منها، والأمثلة على ذلك كثيرة، فكم من مسلسل درامى من موسم واحد أو عدة مواسم، لم يسمع القارئ العربى عن الرواية المقتبسة منه إلا بعد مشاهدته، ولم ير القارئ نفسه ترجمة عربية للرواية الأجنبية المقتبسة منه إلا بعد نجاحه.
إن روايات الغموض والجريمة الأكثر تعقيدا، والملاحم الفانتازيا صارت من أكثر الأعمال التى تلاحقها منصات العرض، بل وتتنافس من أجل الحصول علي حقوق تحويلها إلى أعمال درامية، وبالمثل، دخلت دور النشر العربية والأجنبية فى نفس الملاحقة للحصول على حقوق الترجمة، ومن أشهر الروايات الأجنبية التى تحولت إلى أعمال درامية، وحصلت دور النشر العربية والمصرية على حقوق ترجمتها: الملحمة الفانتازية أغنية الجليد والنار للكاتب العالمى الشهير جورج مارتن، والتى تحولت إلى مسلسل Game of Thrones من 8 مواسم، كان كافيا لدار التنوير للنشر أن تحصل على حقوق ترجمات سلسلة الروايات، وكان من حسن حظها أن تم طرح مسلسل مشتق من Game of Thrones باسم مسلسل house of the dragon.
تدور أحداث رواية “مناورة الملكة” حول قصة بيث هارمون، الفتاة اليتيمة الصغيرة التي تعلمت أساسيات الشطرنج على يد حارس صموت في قبو دار الأيتام، لتبدأ رحلة صعود باهرة وتغدو بطلة شهيرة تهزم كبار أساتذة اللعبة في العالم، وهي تخوض في الوقت ذاته معركتها الخاصة ضد الإدمان.
وعبر مسار الأحداث يتعرف القارئ على هذه البطلة الملهمة وكيف لفتاة يتيمة وفقيرة، نشأت في أميركا الخمسينيات المحافظة، أن تحقق أحلامها وتبلغ القمة، بشغفها وجهدها ومثابرتها، وقدرتها الهائلة على تحدي الصعاب، وأن تنجح في بناء مستقبل زاهر على أنقاض ماضٍ بائس.
وحسب الرواية، فإن أوّل لاعب شطرنج توضع صورته على غلاف مجلة “سبورت ألستريد” الشهيرة، لم يكن العبقرى بوبى فيشر، بل كانت لاعبة شطرنج امرأة تدعى ليزا لين فى عام 1961، وقبل ذلك ببضع سنوات أصبح فيشر أستاذاً كبيراً في عالم الشطرنج، وهو لم يتجاوز سن الـ14، بعد أن فاز بالبطولة الوطنية؛ وكان في طريقه للتتويج باللقب العالمي الذي حصل عليه في عام 1972 إثر فوزه على اللاعب الروسي الأسطوري بوريس سباسكي، فيما سمي لاحقًا بـ”لعبة القرن”، لكن عندما عندما ظهرت ليزا لين على غلاف المجلة، حسب الرواية، أصبحت ملكة جمال الشطرنج من دون منازع، وسط ترديد فيشر لمقولته الشهيرة “النساء لا يستطعن لعب الشطرنج” أو “كلهنّ ضعيفات وغبيات مقارنة بالرجال” و”لا يجب أن يلعبنّ الشطرنج لأنّهنّ يخسرن دائماً أمام لرجال”.
وبالطبع فهناك أعمالا أخرى لروايات أجنبية تحولت إلى مسلسلات أجنبية، ولم تصدر ترجمتها العربية أو ربما صدرت ولم يسمع عنها، مثل رواية “الشيطان فى أوهايو”، والتى أثارت جدلا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعى، بعدما كتب على تتر المسلسل أنها مقتبسة من أحداث حقيقة، وتدور أحداثها عن طائفة تعبد الشيطان فى عصرنا الحالى.
وفى إطار الأعمال الفانتازية، فإن العودة إلى سلسلة القصص المصورة “رجل الرمل” للكاتب الأمريكى نيل جايمان، التى كتبها بداية من يناير 1989 وحتى مارس 1996، وصدر منها 75 عددًا، ربما تدفع بعض دور النشر العربية لترجمتها من أجل تقديم ما هو مختلف ومغاير عن المتعاد.
كل هذا، يدفعنا إلى أن نسأل مع الكتاب أيضا هل صار واضحا أن سوق منصات العرض بات مؤثرا على مستقبل الرواية؟