من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (العولمة
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب
(العولمة – الالتفات)
بدا في الوقفة السابقة أن أوليفييه روا مشروع مستشرق، وأنه ينبغي العناية به؛ رغبةً في الإسهام في تصحيح الصورة عن الإسلام والمسلمين؛ ذلك أن هذا المستشرق المنتظر يتسم بالسعة في الاطلاع، وإن كانت معظم معلوماته في كتابه هذا “عولمة الإسلام” معلومات إعلامية طغى عليها البعد السياسي مع التركيز القوي على ضواحي باريس، ومن يسكنها من مسلمين ينتمون إلى الطبقة البرجوازية، وتكثر بينهم المشكلات، وكأنهم – على حد عرضه – يعيشون على هامش المجتمع الباريسي[1].
على أي حال، فلا بد من التعاطي مع جميع المستشرقين والإعلاميين الذين يتناولون قضايا المنطقة من بعد، بناءً على عدد من الانطباعات المستقاة من قراءات أترابهم، دون أن تطأ أقدامهم بالضرورة الأرض التي يتحدثون عنها والناس الذين هم مناط الحديث،وهذا ديدن أولئك الذين كثرت كتاباتهم أخيرًا عن المنطقة خاصة، وعن العالم الإسلامي عامة،وقليل منهم من يعايش موقعًا من المواقع التي يتحدث عنها، وإذا عايش موقعًا خرج منه بانطباعات بنى عليها أحكامًا تعميمية لا تصدُقُ بالضرورة على جميع المجتمعات، وخلط فيه بين السلوكيات الاجتماعية المتوارثة والممارسات الدينية التي تعود إلى أصل شرعي.
مهما يكن من أمرٍ، فإن الإسراع في تبني هذه الفئة والإقبال عليها بالدعوة لها لمعايشة الواقع والالتقاء بالعلماء والمفكرين قمِينٌ بأن يعطي صورة أكثر وضوحًا، كما أنه حري بأن يقطع الطريق على أولئك الذين يتسارعون في الإفادة من هذه الفئة في ترسيخ العداوة للإسلام والمسلمين، كما عملوا مع المستشرق البريطاني الأصل الأمريكي الجنسية والإقامة الدكتور/ برنارد لويس، الذي أعلن صراحة صهيونيته ويهوديته حالما حط الرحال في جامعه برنستون في ولاية نيوجرسي في الشرق الأمريكي.
مما يؤخذ على المنتديات والمؤسسات الفكرية العربية والإسلامية محدودية الالتفاف على هذه الفئة والتأخر في ذلك.
ومما يذكر هنا أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) في المملكة العربية السعودية قد تنبه لهذه الفئة، فاستدعى عددًا ممن كانت لهم إسهامات فكرية سلبية ضد الإسلام والمسلمين من المستشرقين والإعلاميين الغربيين، فكان أن دعا فرد هاليداي والسموءل هنتجنتون وفوكوياما وغيرهم، كما فعل قبل ذلك الملتقى الفكري الإسلامي الذي كان يعقد في الجزائر سنويًّا؛ إذ كان يدعو رهطًا من المستشرقين يحاورهم علماء المسلمين ويحاورونهم، مما نتج عنه تفاعل علمي وفكري أسهم في تقديم صورة معتدلة عن هذا الدين القويم.
وعليه، فإن الحماس لأوليفييه روا لا يأتي من منطلق أنه مشروع مستشرق منصف فحسب، بل لأن مثل هؤلاء يستقطبون، وإلا فكتابُه فيه مغالطات صريحة وواضحة يمكن الوقوف عليها بسهولة، وكذلك نزوعه إلى المعلومة الإعلامية السريعة – كما مر ذكره.
وقد أسهمت المترجمة لارا معلوف في شيء من الغموض في ذكرها للمصطلحات والشخصيات الإسلامية، فبالرغم من أن جهدها في الترجمة جهدٌ رائعٌ في مدة محدودة؛ إذ صدر الكتاب سنة 2002م/ 1422هـ بالفرنسية وانتهت من ترجمته ونشره سنة 1423هـ/ 2003م، إلا أنها لم توفق في معرفة المصطلحات الشرعية، مثل فرض العين وفرض الكفاية؛ إذ تعبر عن ذلك بأنه فرض فردي أو واجب جماعي، وجامع مكة، والمراد الحرم المكي الشريف، ودار الأرقام؛ أي: دار الأرقم بن أبي الأرقم، وجزر المولوك؛ أي: جزر الملوك، والشنكيتي؛ أي: الشنقيطي، والبراق؛ أي: البراك، وكون نصر الدين الألباني سعوديًّا دون التعليق في الهامش، والعقلة؛ أي: العقلا، وهذه كلها أسماء معروفة.
كان يمكن أن يتأكد منها بالسؤال لأهل الذكر، ومع هذه الملحوظة المنهجية تظل الترجمة سلسة أسلوبًا، صحيحة لغة، أعانت على الاسترسال في القراءة،ولا يتسع المجال لمزيد من الوقوف على أفكار الكتاب بما فيه العنوان، “عولمة الإسلام”؛ إذ إن لتلك وقفاتٍ تطول، بما في ذلك الاسترسال في الحديث عن العولمة وارتباطاتها الثقافية والاقتصادية التي لم تركز عليها هذه الوقفات، على اعتبار أنها محدد قوي من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، وإنما جاء ذلك عرضًا في ثنايا الحديث عن المحددات كلها، ومما حفلت به المكتبة العربية من إنتاج عربي أصيل أو مترجم.
[1] انظر: أوليفييه روا،عولمة الإسلام – مرجع سابق – ص 222.