من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (العلمنة
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب
(العلمنة – الإفلاس)
في ضوء الحديث عن العلمنة محدِّدًا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب وكون العلمنة نبتت في الغرب، وجرت محاولات تصديرها إلى الشرق والعالم على أنها من معطيات الحضارة الغربية، هناك من يتحدث عن قرب إفلاس الحضارة الغربية، ويرى أنها مسألة متحققة، من دون أن تكون هناك قدرةٌ على التوقيت، فوقت الإفلاس ليست مسألة قابلة للتخمين، رغم أن هناك من يعطي عقدًا من الزمان يتحقق فيه ذلك.
سبب التأكد من تحقق الإفلاس أن هذه الحضارة قامت على المادة على حساب المُثل، والإنسان مُثُل ومبادئُ قبل أن يكون مادة،وأن الإنسان يتحقق بالمثل والمبادئ أولًا ثم تتحقق الماديات، فليس هناك إغفال للماديات، ولكن المؤسف أن المادة هي التي طغت، مما يؤذِن بالإفلاس،وفي تضاؤل المثل والمبادئ في المجتمع الغربي وفي أي مجتمع تهون النفس، ويهون الشرف، ويهون العِرض، وتختلط الأنساب، وتفشو الأمراض، وتتصدع الأسر، وتخرب البيوت، ويضيع المجتمع؛ فيضيع الناس؛ فيفسد الكون.
هو ضياع غير معلن وغير معترف به مباشرة، وإنما هو مسوغٌ بالحرية الفردية، بما في ذلك الحرية في التحايل على الحصول على الذرية، واحتدامها مع القوانين الموضوعة، رغم أن هناك صرخاتٍ مدويةً من المربين والمفكرين، ولكنها صرخاتٌ غير مسموعة إلا من قلة قليلة من الناس ضئيلة التأثير؛ ذلك أن صرخاتهم تخاطب العقل، بينما الشهوة تخاطب القلب والعاطفة،وعلينا أن ندرك أن الفطرة مولودة مع الإنسان، وأنه ميالٌ إليها، باحث عنها، مستعد للتخلص مما ينافيها ويناقضها.
في سبيل ذلك تقع المسؤولية على الذين يدركون هذه الفطرة ويسيرون عليها ويوجهونها التوجيه الصحيح،فليس من المصلحة التفرج على هذا الإفلاس في الحضارة الغربية من دون تقديم البديل المناسب، الذي نعتقد أنه يمكن أن يحقق التناسب بين المثل والمبادئ والماديات، ويوازن بين طلبات العقول وطلبات القلوب، فلا يهمل بعضها على حساب بعض، ولا يسلط بعضها على بعض.
يتحقق ذلك في الإسلام الذي يحتاج من أهله إلى التطبيق الصحيح عقيدة وعملًا وممارسات أولًا، ومن ثم يقدم للآخر بالحكمة عن طريق القدوة أولًا، ثم عن طريق وسائل التقديم الأخرى،ومن دون إبراز مفهوم الحكمة والقدوة لا يمكن تقديمه للآخر؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
من وسائل القدوة أن تنتشر الدعوة ومراكز الفكر ومؤسسات العناية بمصادر التشريع الإسلامي المتمثلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية والمصادر الأخرى المعروفة لدى ذوي الشأن ومدارسها في طول البلاد الإسلامية وغير الإسلامية وعرضها، وتقوم هيئات القطاع الثالث المعنية بهذا الشأن، ويشرف عليها هيئة علمية عالية عرفت بخدمتها للإسلام وعلومه واستمرارها في الرغبة في رعاية هذه المؤسسات والهيئات؛ إذ كان الجامع الأزهر وجامعته بمصر وجامعة الزيتونة بتونس وجامعة القرويين بالمغرب والجامعة الإسلامية وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية وغيرها من الجامعات في الهند وباكستان ومدارس ومراكز إسلامية في الشرق والغرب، تقوم بهذه المسؤولية على خير وجه، وترعاها الدولة ويتابعها مديروها والمسؤولون فيها.
من وسائل الحكمة والقدوة أن يقيض في الأمة من يتابع أبناءها ويشجعهم على الإسهام في ترسيخ مفهوم الذكر المحفوظ؛ فقد أراد الله تعالى له أن يحفظ نصًّا وروحًا خاليًا من التحريف والعبث الذي أراده الله تعالى للكتب السماوية السابقة عليه.
ليس أجمل من أن تتآزر المؤسسات العلمية الأكاديمية شرق المعمورة وغربها وشَمالها وجنوبها مع المؤسسة التي أنيطت بها العناية بالشؤون الإسلامية في هذه الدنيا؛ تتآزر على العناية بشؤون الإسلام بالطاقات العملية، وبالقرار الإداري، وبالدعم المستمر من القيادات السياسية، ومن الموسِرين،ويتطلَّب هذا قدرًا من الإرادة والاقتناع.