Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (العلمنة


من منطلقات العلاقات الشرق والغرب

(العلمنة – الجذور الدينية)

 

يرجع جورج قرم في كتابه “الشرخ الأسطوري” ما هو قائم الآن بين الشرق والغرب من فجوة إلى جذور دينية، مهما ادعت الدول الغربية علمانيتها، التي يرى أنها زعمٌ أكثر من كونها حقيقة،أدت هذه الجذور إلى بذر طفل الأنبوب في نقطة الالتقاء بين آسيا وإفريقيا قلب العالم الإسلامي والعربي.

 

ويكرر جورج قرم هذا الأمر في مجمل كتابه، فكلما ذهب في نقاشه حول العلاقة بين الشرق والغرب عاد مرةً أخرى إلى الأسلوب الذي أُوجِدت فيه دولةٌ لليهود وطنًا قوميًّا لهم في فلسطين المحتلة.

 

ويؤكد في ذلك جورج قرم على أن “العلمانية” في البلدان البروتستانتية نسبية، ولا تقوم على الفصل بين الدنيوي الاجتماعي والديني الذي طورته البلدان الكاثوليكية، بل أعطت الحرية في إنشاء الكنائس ودور العبادة، التي طالبت بها البروتستانتية في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية الأحادية النمط”[1]،ويذكر أن الغربيين، لا سيما البروتستانتيين، “يحبذون دومًا إدخال الدين ضمن رؤية العالم، وتنظيم الحياة الاجتماعية، لا بل أكثر من ذلك، يستطيع سكان الولايات المتحدة تأكيد أصولهم العرقية أو تميزهم الديني من دون أن يكون ذلك مزعجًا أو محرجًا لإدارتهم”[2].

 

ويضيف جورج قرم القول: “وليست العلمانية في الولايات المتحدة قيمةً سياسيةً أساسًا، بل تقوم فقط على حرية الممارسة الدينية، وليس على فصل الأمور الدينية عن الأمور الزمنية”[3].

 

وبهذا يؤكد بعض النافذين أن المجتمع الأمريكي يبذل “قصارى جهده لكي تسير الحرية والإيمان جنبًا إلى جنب، ولكي يعلي كل منهما من شأن الآخر”[4]،ويؤكدون كذلك في وثيقة في مطلع عام 2002م (1422هـ) أن “نظامنا علماني – رؤساؤنا ليسوا رجال دين – لكن مجتمعنا هو الأكثر تدينًا في العالم الغربي”[5].

 

ولذلك ولتمسُّك الغرب بوجود إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي تفقد العلمانية أي مصداقية في الخطاب الغربي، مما يزيد من عمق هذا الشرخ في العلاقة بين الشرق والغرب “ولا سيما أن قيم العدالة والإنصاف التي يدَّعي الغرب تبنِّيَها تسقط كلما تعلق الأمر بدولة إسرائيل، وتفقد العلمانية أية مصداقية في الخطاب الغربي”[6].

 

ورغم التضييق على التعبير بحرية عن هذه الوجهة في المجتمع الغربي وترجمة هذا التعبير إلى تعاطف مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين، فإننا نجد أصواتًا، وإن كانت خافتة، قادمة من الغرب وكأنها تتحدث في خطابها بلغة الشرق، حتى لقد داست الدبابة الإسرائيلية على فتاة جاءت من الغرب إلى أرض الميعاد مناصرة الشرق، فكان مصيرها الموت الذي تبعه قدر من الصمت المطبق حتى على المستوى القانوني، ناهيكم عن المستوى السياسي،يوحي هذا بأن هناك نقمة على هذه الشرذمة،هذه النقمة لم تعد ناتجةً عن الشرق فقط، ولكنها لا تفتأ تنبت في المجتمع الغربي، ولكن هل هناك من يجرؤ على الخطاب؟![7].

 

إن من يتحدث اليوم عن تعميق هذا الشرخ هو الذي يلقى رواجًا في الأوساط السياسية والإعلامية، وليس بالضرورة في الأوساط الثقافية والفكرية؛فالضجة التي أحدثها السموءل (صموئيل) هنتجنتون (ت 2008م)، في العقد الأول من القرن الخامس عشر الهجري/ العقد التاسع من القرن العشرين الميلادي[8]، لم تكن في نظر مفكري الغرب سوى عمل هزيل؛ حيث يصف المؤلِّفُ المقرَّبُ من أوساط الحكم وبطريقة سطحية “سيناريو لا يمت إلى الواقع بصلة عن مواجهة دينية بين الإسلام (الذي يصوره متحالفًا مع البوذية)(!) والغرب المسيحي”[9].

 

يقول جورج قرم عن الكتاب الهزيل صدام الحضارات: “لا يسعنا أن نفهم الذي حصده هذا الكتاب المعبر عن فوضى فكرية عارمة، وتشيع فيه ضحالة في التحليل قل نظيرها، إلا إذا أدركنا أنه يستغل إلى أقصى الحدود وجود الشرخ المتخيل بين الشرق والغرب، الذي هو صنيع الظروف الجيوسياسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي”[10].

 

الذي يظهر أن العرب قد أعطوا الكاتب السموءل هنتنجتون والكتاب صدام الحضارات قيمة علمية وإستراتيجية أكثر مما يستحقها، لا سيما إذا لوحظ أن أصل الكتاب تقرير مقدم إلى جهات سياسية استخبارية، فتطور التقرير إلى مقالة صدرت عام 1414هـ/ 1993م في مجلة الشؤون الخارجية Foregin Afiatrs، ثم طورت المقالة إلى كتاب، فسارع الناشرون العرب، لا سيما المتكسِّبون ماديًّا إلى ترجمته ترجمة مطولةً، وتباروا في ذلك،ولعل ما كتب عنه لدى العرب أكثر مما كتب عنه لدى غير العرب.

 

والذي يظهر أيضًا أن المهللين للكتاب لدى الساحة الإعلامية العربية أكثر من القادحين لأفكاره في الأوساط العلمية الفكرية العربية وغير العربية،على أننا لسنا في هذا الوقت وفي غيره بحاجة إلى تعميق الهوة وتوسيع الفجوة بين الشرق والغرب لأي سبب وبأي ظرف، بل إن الوقت الآن يؤكد على الحاجة الملحة إلى تجسير الفجوة، وإغفال هذا الشرخ المصطنع؛ ذلك لأن مصلحة العالم، وليس العرب والمسلمين فقط، تؤيد، وبشدة، انتشار روح السماحة، وتقبُّل الآخر، وتوسيع هامش الحوار الإيجابي[11].


[1] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري مرجع سابق ص 119.

[2] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري المرجع السابق،ص 119.

[3] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري المرجع السابق ص 119.

[4] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري المرجع السابق ص 119.

[5] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري المرجع السابق ص 121،وانظر كذلك: يوسف الحسن،البُعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الصهيوني: دراسة في الحركة المسيحية الأصولية الأمريكية مرجع سابق ص 222.

[6] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري مرجع سابق ص 152.

[7] انظر: بول فندلي،من يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي مرجع سابق ص 622.

[8] انظر: صامويل هنتجنتون،صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي/ ترجمة طلعت الشايب، تقدم صلاح قانصوه ط 2،القاهرة: سطور، 1999م 225 + الهوامش،وانظر إلى طبعة أخرى في: صموئيل هتنجنتون،صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي/ ترجمة مالك عبيد أبو شهيوة ومحمود محمد خلف مصراتة (ليبيا): الدار الجماهيرية، 1999م ص 390.

[9] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري مرجع سابق ص 118.

[10] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري المرجع السابق ص 118.

[11] انظر: علي بن إبراهيم النملة،صناعة الكراهية بين الثقافات وأثر الاستشراق في افتعالها دمشق: دار الفكر، 1429هـ/ 2009م ص 171 (سلسلة نقد العقل المعاصر).



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى