شامبليون.. قصة رسالة كتبها لأخيه قبل فك رموز الهيروغليفية بـ18 عاما

ثقافة أول اثنين:
تمر، اليوم، ذكرى رحيل العالم والفقيه اللغوى جون فرانسوا شامبليون ويُعرف أيضًا بـ شامبليون الصغير، وهو واحد من أهم العلماء لدى المصريين، والذى تمكن من فك رموز حجر رشيد فى عام 1822، إذ رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم 4 مارس عام 1832، وفى ضوء ذلك نستعرض لكم حياته وصولًا للغة الهيروغليفية.
وحسب ما جاء في كتاب “جان فرنسوا شامبليون.. كاشف الكتابة واللغة الهيروغليفية” من تأليف يعقوب موزر: وُلد “جان فرنسوا شامبليون” في فيجاك من أعمال فرنسا في مقاطعة لوت في 23 ديسمبر سنة 1790، ودُعيَ “شامبليون” الأصغر لتميُّزه عن أخيه الأكبر “شامبليون فيجاك” مؤرخ فرنسا الشهير الذي تكفَّل بعد موتِ والدَيه بتربيته العلمية الأولى، فأدخله في ليسيوم جرنوبل؛ حيث فاقَ جميعَ زملائه بذكائه المفرط الحاد واستعداداته العجيبة لتعليم اللغات الشرقية وتاريخ الأمم القديمة.
كان “شامبليون” وهو تلميذ في تلك المدرسة مشغوفًا بالاستطلاع على الكتب التي تحدِّثه عن حياة وحضارة الأمم الشرقية القديمة مثل البابليِّين والآشوريِّين والفارسيِّين والفينيقيِّين والعبرانيِّين والمصريِّين والأحباش، وكان يقضي أوقاتَ فراغه في مكتبة مدرسته ويدرس، بدون إرشاد أستاذ، العبراني والسرياني والكلداني والجيز (إحدى اللغات الحبشية) والصيني، ولا سيَّما اللغة القبطية، حتى بعد فوات ثلاث سنين صار له إلمامٌ بمبادئ هذه اللغات، وقد استدرك أنَّ إلمامَه باللغة القبطية هو الطريق الوحيد والأكيد ليقودَه إلى الحصول على معرفة اللغة المصرية القديمة التي جهلها المستشرقون تمامًا في ذلك الحين، وفي سنة 1807 وقد بلغ السادسة عشرة من عمره ألقى ذلك الطالبُ النابغُ محاضرةً اندهش لها الجموعُ أمام أكاديمية جرنوبل، وأثبت فيها أن اللغة القبطية لها علاقة متينة باللغة الهيروغليفية، وأنها آخر أطوار اللغة المصرية القديمة، وعندما بلغ السابعة عشرة سنة قدَّم مقالةً علمية لجمعية العلوم والفنون الجميلة في جرنوبل وعنوانها “وصف جغرافي عن مصر في العصور القبطية”، وهذا التأليف الأول كان بمثابة أساس لكتاب قيِّم ألَّفه فيما بعد تحت عنوان “مصر في عهد الفراعنة” جزأين في سنة 1814.
ويضيف مؤلف الكتاب: في سنة 1807 سافر “شامبليون” بعد إتمام دروسه إلى باريس لكي يتلقَّى العلوم الشرقية مدة سنتين في مدرسة اللغات الشرقية وجامعة فرنسا Collège de France.
وهنا انتهز فرصة إقامته للبحث عن المخطوطات القبطية المحفوظة في المكتبة الأهلية Bibliothèque Nationale، وللتعارف بالفرنسيِّين المستشرقين؛ ﮐ “لانجلس، ودي ساسي، وشيزي، وميلين” الذين حافظ معهم على علاقاته الودية والعلمية حتى مماته.
وتابع مؤلف الكتاب: قرر المستشرقون في ذلك الحين بالإجماع أن فكَّ تلك الرموز أمرٌ عسير، وظنُّوا أن هذا فوق الطاقة، وأراد كثيرٌ منهم أن يُقنع “شامبليون” بأن أتعابه في هذا السبيل ستذهب سُدًى، ولكنه لم يعبأ بأقوالهم، بل سار إلى الأمام مملوءًا بالثقة التي تحققَت بعد أربع عشرة سنة، وهناك ما كتبه إلى أخيه الأكبر مبدئيًّا حين لم يكن في إمكانه قراءة محتويات الأوراق البردية، وهذا نصُّه “أما بخصوص الأوراق البردية التي عثرتُ عليها فقرأتُ منها سطرًا ونصفًا، وقد كوَّنتُ مجموعةَ حروف هجائية مما وجدتُه على حجرٍ أثريٍّ مشهور، ولو أني اقتبستُ منها المعنى ووضعتُه في أسلوب لائق، إلا أن هذا لم يساعدني على ترجمة باقي السطور التي في الورقة لسبب عدم فهمي جمعية الكلمات، درستُها وتأمَّلتُها أيامًا كثيرةً دون أن أفهمَ شيئًا منها، فقلتُ لنفسي وقد عجزتُ عن قراءتها: لا سبيل لي إلا أن أعودَ إلى دراسة اللغة القبطية، ولربما بعد زيادة إلمامي بها أجد المفتاح لحلِّ الرموز”، وبعد سنة كتب هذه العبارة لأخيه: “لقد صرتُ أخيرًا مُلمًّا باللغة القبطية لدرجة أنه يمكنني أن أعبِّر بها عن كل أفكاري، ولعدم وجود زميل لي يخاطبني بهذه اللغة كنتُ أُكالِمُ نفسي بها، وإني لا أشك بأنها الطريقة الوحيدة لبلوغي إلى حلِّ الحروف الهيروغليفية، وسأعود بعد الإتمام منها إلى درس الأوراق البردية، وأملي وطيدٌ بأن أبلغَ أمنيَّتي”.
هذا كلام “شامبليون” وهو في باريس وعمره ثماني عشرة سنة، وكان هذا قبل اكتشافه معانيَ الحروف الهيروغليفية بأربع عشرة سنة، ولنلاحظ أنه في خلال هذه الفترة ألَّف آجروميةً وقاموسًا للغة القبطية لم يظهرَا حتى الآن.