Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

العمل الاجتماعي والإعلام: التشويه، رؤية شخصية


العمل الاجتماعي والإعلام: التشويه، رؤية شخصية[1]

التمهيد:

بعيدًا عن التنظير لأهمية المعلومة، وأهمية نقلها، والأمانة في النقل عن الآخرين والنسبة إليهم، أو تفسير ما يقولونه على غير ما أرادوا له أن يقال، فهذه من الجوانب التي لا تخفى على العاملين مع المعلومة من أهل الفن الصحفي والإعلامي عمومًا، سواء أكانت خبرًا أم تحقيقًا أم تحليلًا أم غير ذلك من أنواع المعلومة الصحفية.

 

وقد وصل الأمر بالإعلام إلى أن يكون له تأثيره القوي في تصريف الأمور؛ بحيث أضحَتْ له سلطة غير متوجة ولا معلنة في تغيير مجريات أحداث تعصف بالأمة، فأسقط الإعلام رؤساء دول، كما هي الحال مع ريتشارد نيكسون وديفيد فروست، وأقام عثرات آخرين عندما عرض لحالهم من منطلق إنساني.

 

ومن ذلك موقف الإعلام من العمل الاجتماعي والخيري، فإما أن يدعمه، أو يشوش عليه، في وقت تحوَّل الإعلام في بعض مساراته إلى الإثارة، بل والشغب الإعلامي؛ قصدًا إلى جلب القارئ أو المستمع أو المشاهد، كما صرح بذلك أحد أقطاب الإعلام المقروء في المملكة العربية السعودية في جلسة رسمية، ومن ثم التفات بعض الإعلاميين إلى هذا الأسلوب في الإثارة والشغب عن قصد وسوء نية – والله أعلم – لا سيَّما إذا كان القائمون على العمل الاجتماعي والخيري والمباشرون له من المتدينين، وهم الغالبية في هذا المجال، وهذا – فيما يبدو – يُعَد من التَّحديات التي تواجه العمل الاجتماعي والخيري.

 

وبعيدًا عن الحديث عن أهمية الجمعيات الخيرية في تنمية المجتمع، مما هو معلوم على الواقع المشاهد، تأتي هذه الوقفة صدى لما نسب لهذا الكاتب من اتهام ظاهر حول الهيئات والجمعيات والمؤسسات الخيرية السعودية والعاملين عليها ذكورًا وإناثًا.

 

وليس المقصود في هذا الفصل تبرئة الذات، بقدر ما يأتي المقصود في لفت الانتباه إلى أثر الإعلام وتأثيره الإيجابي أو السلبي تجاه الجهود الاجتماعيَّة التي يقوم بها المسؤولون عن هذا الشأن والمتخصصون فيه، بحيث أصبح لهذا المرفق صولة وجولة في تسيير أمور كثيرة، قد تصل إلى التغيير في كيانات قائمة.

 

وفي الفصل الأسبق جرى الحديث عن التَّحديات التي تواجه العمل الاجتماعي، ومنه العمل الخيري، وربما يكون من هذه التَّحديات الجانب السلبي من الطرح الإعلامي، بغض النظر عن النيات التي محلها القلوب.

 

يقول محمد عبدالعظيم الجمل: إن هناك منظومة عالمية جديدة تدفع إلى إقصاء العمل الخيري الإسلامي من المحافل الدولية، “وتستخدم هذه المنظومة أساليب الحرب الإعلامية، فتصرح أنها جمعت أكثر من ستة مليارات للعمل الخيري؛ للتأثير في الجانب النفسي للعاملين في هذا القطاع”، بعد أن نجحت في الترويج لمقولة: “مؤسسات العمل التطوعي الإسلامي صناديق للإرهاب”، فجعَل جزءٌ كبير من المحسنين يحجم عن التبرع، سواء للعمل التطوعي، أو من باب أولى: للعمل الدعوي”[2].

 

ويقول سعيد بن محمد العماري: “أدت كثير من الأحداث في وقتنا الراهن والظرف التاريخي الذي مرت به المنطقة والعالم إلى تشويه صورة العمل الخيري، والحد من انطلاقته وزخمه، مما يتطلب عملًا مضاعفًا وجهدًا خارقًا لتصبح صورة المؤسسة الخيرية إيجابية… ورغم هذا التشويه الذي تعرَّض له العمل الخيري فإنه سيجد دائمًا أنصارًا ومؤيدين؛ بوصفه عملًا يرجى به الأجر والثواب”[3].

 

وسواء قُبِل هذا الطرح على علَّاته أم كان عليه بعض التحفُّظ، من حيث تعميم الحكم على الإعلام أو تعميمه على المؤسسات الاجتماعيَّة، ومنها المؤسسات الخيرية، فهو ولا شك قد أثار القضية الإعلامية ومدى تأثيرها في توجيه العمل الخيِّر بالإقبال عليه أو بالإعراض عنه.

 

وحيث أتاح لي ولاة الأمر، في المملكة العربية السعودية، التعامل مع هذا الشأن الاجتماعي مباشرة لمدة ست سنوات تقريبًا، فقد تمكنت من خلالها من تكوين فكرة عملية طيبة عنها وعن العاملين والعاملات فيها، ومدى ما تحققه هذه المؤسسات والجمعيات من وظائف المسؤولية الاجتماعيَّة ومفهوماتها، مدعومة بذلك من ولاة الأمر الذين يكونون القدوة الصالحة في فعل الخير، على مستوى القيادة العليا وعلى مستوى أمراء المناطق، يبتغون من ذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة – وهذا هو المعهود فيهم ومنهم – ويحققون بذلك مفهوم الرفاه الاجتماعي.

 

وعندما ينبري مسؤول أو متخصص في أي شأن من الشؤون العامة تلاحقه الصحافة؛ سعيًا منها إلى اقتناص معلومة تثير الانتباه وتجذب القارئ أو المستمع أو المشاهد، وهذا ما حصل لهذا الباحث عندما نقلت عنه معلومة مقلوبة المعنى؛ لأن معناها الصحيح لا يخدم جانب الإثارة ولا الشغب الإعلامي في الصحافة خاصة، والإعلام عامة، وأحسب أن هذا يمكن أن يعد من التَّحديات التي يواجهها العمل الاجتماعي، ومنه العمل الخيري، إذا ما كان دأب الإعلام عمومًا والصحافة خصوصًا هو تتبُّعَ السقطات أو الهنَات التي يقع فيها من يعمل، وتحدث من البشر من دون تقصير مقصود في الأصل.

 

وقد جاء هذا النقل غيرُ المنصِف من تلك الصحيفة إثر محاضرة “علمية” حول إدارة العمل الاجتماعي في أكثر من مكان، كان من آخرها لقاءٌ في دار اليوم للصحافة بالدمام بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، يوم الاثنين 8/ 2/ 1428هـ الموافق 26/ 2/ 2007م، وكانت المحاضرة مجموعة خواطر تعكس تلك التجرِبة التي تشرفتُ بخوضها[4].

 

ومن الغد (الثلاثاء 9/ 2/ 1428هـ الموافق 27/ 2/ 2007م) ظهرت صحيفة لها قدرها ومكانتها بين المتابعين، وفي الصفحة الأولى منها تشير إلى كلمة نزعت من السياق منسوبة إليَّ، وعند قراءة الخبر داخل الصحيفة لا يجد القارئ أن المضمون يتفق مع ما اختاره المسؤول عن التحرير في الصفحة الأولى من الصحيفة، مما أحدث تساؤلات لبعض الزملاء والعاملين والعاملات في مجال الخدمات الاجتماعيَّة والعمل الخيري، وربما لدى أهل الخير الباذلين له الباحثين عن مواطن الثقة الموجودة في هذه الجمعيات والمؤسسات والهيئات، يسهمون من خلالها في خدمة المجتمع.

 

يذكرني هذا الموقف بعبارة قرأتها عن المفكر المتخصص بالشأن اليهودي والصِّهْيَوني الدكتور عبدالوهاب المسيري (1357هـ/ 1938م – 1429هـ/ 2008م) في كتابه: رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية؛ حيث يبدي عدم ارتياحه لصغار الصحفيين؛ لِما يتمتع به من شخصية هادئة، يقول: “الذين يأتون للحصول على تصريح أو حوار ولكنهم يسجلون ما يعرفونه وحسب، فإذا وضعنا في الحسبان فقرهم الثقافي والفكري الشديد، وعجزهم عن التعامل مع غير المألوف أمكننا تخيُّل حجم الكارثة”[5].

 

ويضيف القول: “وكثيرًا ما أصرح بشيء وأجد عكسه منشورًا، وكم من مرة صححت هذا الخلل! وكم من مرة سئمت مما يكتبون، واستغفرت الله لي ولهم! ومع هذا لا بد أن أذكُر أن هناك قلة من الصحفيين تأتي لتقابلني بعد أن تكون قد اطلعت على بعض كتاباتي وبلورت بعض الأسئلة الأساسية، ومن ثم يكون الحديث معهم متعةً حقيقية”[6].

 

وهذا ما حصل للباحث في أكثر من مقام، سواء في موقعي الرسمي أم بعدما انطلقت في إلقاء المحاضرات العامة المعنية بالشأن الاجتماعي أو العمالي؛ حيث جرى في هذه المقامات تشويه المعلومة بالتصريح بما يناقضها أو يلتفُّ عليها، أو السعي إلى تحريره بصورة فيها قدر من الإثارة والاستفزاز، بحكم أن الصحافة – في ضوء مزاحمة الفضائيات والإنترنت – قد تحولت، على لسان إحدى قياداتها، إلى صحافة الشغب، والتوكيد هنا على الشغب الإعلامي، الذي ربما وصل في بعض الحالات إلى أكثر من الشغب العام!

 

الذين خبروا هذا الشخص لم يعطوا بالًا لهذا التشويش الذي ظهر به المحرر، وإن تمنَّوا ألا يظهر الخبر بما ظهر عليه في الصفحة الأولى من تلك الصحيفة المقروءة، لا سيَّما أنه خبر يهز العمل الاجتماعي، ومنه الخيري، ويزعزع الثقة في العاملين فيه من الرجال والنساء، أولئك الذين جعلوا من الاحتساب منهجًا يسيرون عليه.

 

والمحصلة أن المسؤول عن التحرير – سامحه الله تعالى – لم يسئ إلى هذا الشخص الذي تعرض بحكم عمله إلى إساءات متعددة من بعض صغار الصحفيين الباحثين عن الإثارة والبروز على أكتاف الآخرين فحسب، ولكنه قد أساء إلى العمل الخيري الذي تعرض لقدر من التحدي في الآونة الأخيرة، لا سيَّما مع الجمعيات الخيرية الإسلاميَّة العاملة في الخارج، ولولا توفيق الله تعالى ثم وقفة ولاة الأمر من القيادة السياسية والعلمية، ووضوح الأنظمة واللوائح المطبقة فعلًا التي تحكم الجمعيات الخيرية، لكان الوضع الآن على خلاف ما هو عليه من الموقف الإيجابي من الجمعيات الخيرية العاملة في الداخل أو الخارج.

 

هذا بالإضافة إلى الإساءة إلى هذا الشخص، لا باعتباره الشخصي، فهذا هين، وإنما باعتباره قد خاض تجرِبة إدارة العمل الاجتماعي ومنه الخيري، فهو لم ينبرِ ليكيل الاتهامات أو الافتراءات لقطاع من أهم القطاعات في حياتنا الاجتماعيَّة، لا سيَّما أن هذا المحاضر قد نال قسطًا لا بأس به من الخبرة العملية، التي لا تعتمد كثيرًا على مجرد التنظير، بل إنها دخلت في عمق العمل الاجتماعي، ومنه الخيري، مع رجال ونساء أفنى معظمهم زهرة حياتهم في هذا العمل المبارك، ويمكن التساؤل هنا عن المستفيد الفعلي مِن هذا الخلط والتشويه!

 

وذكرتُ في مقام آخر أن العمل الخيري يعاني من تسلق بعض الأشخاص غير المستحقين لخدماته المادية والعينية من ضمان ورعاية وتنمية، وذلك ربما لضعف في النفوس، وهم موجودون اليوم وغدًا، فيحجُبون بهذا التسلق الخدمة الاجتماعيَّة عن مستحقيها الفِعليين، وهذا أمرٌ متحقِّق، ويُكتشَف فيعالج، وهو من القضايا التي تطرقت لها الخواطر حول العمل الاجتماعي.

 

وتنقل الصحيفة نفسها في خبر آخرَ أن المحاضر يرى أن الموظفين والموظفات في القطاع الاجتماعي هم المتسلقون، هكذا يعمِد بعض الصحفيين، مما أحدث عتبًا من بعض العاملين والعاملات في القطاع الاجتماعي من الزملاء والزميلات، ممن يشرُفُ هذا الشخص بأنه عمل معهم ومعهن، وكوَّن مع الكثير منهم صداقات باقية فاقت مفهوم الزمالة، وخبَرَ مدى التفاني الذي يقومون به، رجالًا ونساءً في هذا المجال، بحيث لا ينظرون إلى ما يقومون به على أنه مجرد وظيفة إداريَّة، وهذا واقعهم الذي لا يقبل المزايدة.

 

من المهم القول بأن الجمعيات الخيرية ذات الأداء العام أو الأداء الخاص هي كلها، بالنظر إليها على أنها وسائط بين المانح والممنوح له، موضع ثقة من الجميع، تدعمها الدولة وتثق بها وتشرف عليها وتراقبها وتتأكد من أدائها مهماتِها ووظائفَها، في حدود ما رسمته هذه الجمعيات لنفسها من خلال أنظمتها ولوائحها، وفي حدود ما وضعته الدولة لها من لوائح وضوابط، ويقوم على إدارتها رجال ونساء تدفعهم عوامل الاحتساب والرغبة في خدمة المجتمع، من دون أن يُغفلوا نصيبهم من الدنيا.

 

وينفق هؤلاء الرجال والنساء لذلك العمل النبيل الجهد والوقت في سبيل النهوض بخدمات الجمعيات على المستويين الأفقي والرأسي، بحيث يمكن القول: إنهم يصنعون العراقة في العمل الخيري، في مجتمع اشتهر بالكرم والعطاء، وعرف عنه البذل.

 

وعليه، فإني أؤكد على أنه لا صحة لما نقل عني خلاف ذلك، مما فهم منه أنه لمزٌ لهذه المرافق الخيرية الإنسانية، وأرجو ألا أكون ممن يقول بخلاف ما يعلم، وأدرك مدى ما تقدمه هذه الجمعيات من خدمات، ومدى ما تتمتع به من ثقة ولاة الأمر والمانحين والممنوح لهم، وقد قيل من قبل: إن آفة الأخبار رواتها! ولعل ما مر في هذه المطبوعة من أوراق ألقيت في مناسبات محلية وخليجية تشهد على ما أؤكد عليه هنا.

 

وفَّق الله الجميع لِما فيه تحقيق المسؤولية الاجتماعيَّة على مختلف المستويات والاختصاصات، وأعان الله تعالى القائمين والقائمات على العمل الخيري والداعمين له في القطاعات الثلاثة: الحكوميَّة والأهلية والخيرية، وأدام على هذه المنطقة الأمن والأمان، والسلامة والإسلام، ورد كيد الكائدين، وأعاننا جميعًا للوقوف يدًا واحدة في وجه كل ما يعكر صفو هذه النعم التي أولانا إياها مَن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والله المستعان.


[1] نشرت مع تصرف يسير في الصياغة في صحف الجزيرة واليوم وعكاظ.

[2] انظر: أحمد محمد عبدالعظيم الجمل، العمل التطوعي في ميزان الإسلام، مرجع سابق، ص 129.

[3] انظر: سعيد بن محمد العماري، البُعد الإعلامي في عمل المؤسسات والجمعيات الخيرية، الجزيرة (السعودية)، ع 13446 (29/ 7/ 1430هـ – 22/ 7/ 2009م)، ص 39.

[4] انظر الفصل الأول من هذا الكتاب، ص 17 – 42.

[5] انظر: عبدالوهاب المسيري، رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية، ط 3 – القاهرة: دار الشروق، 2008م،– ص 580.

[6] انظر: عبدالوهاب المسيري، رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر، المرجع السابق، ص 580.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى