لورانس داريل ورباعيات الإسكندرية.. ما قاله محمود قاسم

ثقافة أول اثنين:
تمر، اليوم، ذكرى ميلاد الكاتب لورانس داريل صاحب رباعية الإسكندرية، المولود فى 27 فبراير من سنة 1912، وقد حققت رباعيته شهرة بين العرب، وكتب عنه محمود قاسم فى كتابه “الإسلام والمسلمون فى الأدب العالمى”.
يقول الكتاب.. تحت عنوان “لورانس داريل.. رباعيات الإسكندرية”
لم تأتِ رواية أدبية عن الشرق والعرب بشهرة لكاتبها مثلما حدث للروائى البريطانى “لورانس داريل” “1912–1990” مع رباعية الإسكندرية.
رباعية الإسكندرية هي أربع روايات ضخمة الحجم، تدور أحداثها في مدينة الإسكندرية إبان الحرب العالمية الثانية، استوحاها الكاتب من حياته في الثغر؛ حيث عاش هناك بضعة سنوات تعرَّف خلالها على الكثير من الأجانب والعرب، تبعًا لوظيفته كواحد من الملحَقين الإعلاميين للقنصلية البريطانية هناك.
الروايات الأربع هي “جوستين” صدر عام 1957م، ثم “بالتازار”، و”مونت الياف” عام 1958م، ثم صدر الجزء الرابع “كليا” عام 1960م.
وبرغم أن الرواية عن المدينة العربية؛ فإن الأبطال الرئيسيين للرواية هم من الأجانب الذين جاءوا للعيش في المدينة تبعًا لظروف الحرب، مما جعلها مدينة تمزج بين ثقافات متعددة، لكن قد لا تعرف أن الشخصية العربية التى تحدَّث عنها المؤلف فى هذه الرواية، كانت شبه هامشية باعتبار أن الشخصيات الرئيسية جاءت من بريطانيا، وصنعوا فيما بينهم ما يشبه الدائرة المغلقة، التي لا تنفتح بسهولة للآخرين، حتى ولو كانوا من أبناء الوطن الذي يعيشون فيه.
ففي بداية الرباعية ترى رجلًا ميسورًا يُدعى “نسيم” يعيش في المدينة، إنه من كبار التُجار لهم باع طويل في سوق القطن، وهو معروف في البورصة، يجيد التحدث بأكثر من لغة، ويعرف لغة الأرقام، كما أنه رجل متعدد العلاقات النسائية؛ فتبعًا لما يتمتع به من ثراء فإنه يعرف الكثيرات من النساء، ومن بينهن “ميليسا” التي عاشت معه فترة غير قصيرة، وأنجبت منه طفلًا قامت بتهريبه إلى اليونان، حتى لا يقوم أبوه باستعادته بعد أن انفصلا.
تعمل “ميليسا” في أحد الملاهي الليلية، لكن “نسيم” لا ينسى أنه رجل شرقي، ولا يحب أن تتم تربية ابنه في بيئة غربية، وهو يكرِّس كل ما لديه من إمكانات من أجل استعادة ابنه العربي، هو رجل ذكي، وسيم، في داخله سمات الشرقي الغيور على الالتزام بعاداته الاجتماعية، وهو يبدو مستهينًا كثيرًا حين تربطه علاقة رسمية بامرأة غير مصرية؛ ففي الوقت الذي يتعامل مع زوجته “جوستين” بمفهوم آخر للشرف؛ فإنه لا يريد لابنه الصغير أن يتربى خارج الوطن.
وبالفعل فإن “نسيم” ينجح فى استعادة ابنه من اليونان، ويتركه يتربى فى كنف أمه “ميليسا” المصورة، والتي يتولى الصرف عليها.
و”نسيم” في الجزء الثالث من الرباعية، كما يرسمه الكاتب “مناضل، ووطني، يقوم بتدبير المحاولات لتدمير النفوذ البريطاني في المنطقة العربية”، ولأنه رجل وثيق الصِّلة بالبريطانيين أنفسهم؛ فإن السفير البريطاني يتحرج كثيرًا في الإبلاغ عنه، وعن خططه، ويسعى إلى التقليل من تقرير مكتوب ضد النشاط السياسي الذي يمارسه “نسيم”.
وفي هذا الجزء الثالث من الرواية يكشف الكاتب سبب التوتر الدائم الذي أصاب “نسيم”، فهو ليس أبدًا بسبب الغيرة على زوجته الخائنة الأجنبية “جوستين”، بقدر ما هو قلق خشية أن تكون الاستخبارات البريطانية قد عرفت بأمر نشاطه الوطني من أجل إجلاء الإنجليز عن مصر، والمنطقة العربية.
“نسيم”، إذَن، شخصية عربية تعرف هدفها الوطني بجِدية، وتغلِّف سلوكها الجاد ببعض التصرفات الهوجاء، من أجل إخفاء الرسالة الوطنية التي يضطلع بها حتى لو أدَّى ذلك إلى تشويه بعض الحقيقة.