خالد دومة يكتب: نفس – اليوم السابع

ثقافة أول اثنين:
إن الدراسات النفسية, لها عامل كبير في إكتشاف ميول الشخصية الإنسانية, ومعرفة ما يجيش بصدر المرء, وما يتوارد على عقولهم من أفكار وخطرات, وما ينتابهم من مشاعر سعيدة, أو حزينة, أو مواقفهم من القضايا العامة, ولكن الأمر لا يتوقف على الدراسة النفسية, بعيدا عن معرفة البيئة الاجتماعية, التي نبتت فيها الشخصية الإنسانية, وتأثيرها في سلوكه واتجاهاته, ولعلك حين تنظر إلى مجرم, وقد ضرب بسهم وافر في إجرامه, حتى أصبح يمثل خطرا على المجتمع المحيط به, إنه لا شك أن هناك أسباب, تتعلق ببيئته التي ساهمت في إنسياقه نحو الإجرام, إن المجتمع الذي لا يعمل على معالجة الأمور, منذ البداية, يجني هو عواقبها.
إننا نحتاج إلى قليل من الفهم الإنساني, لتلك النفس التي نقف أمامها متأملين, نقف أمامها موقف المحلل المدقق, نريد منها أن تتعرى, أن تلقي لنا بما في جعبتها صراحة, لا تخفي شيء, إن لها عوارض وأحوال عجيبة, قد نقف أمامها مذهولين, كيف تبدو هكذا؟ ولكن ما يدهشنا هو من صميمها, من تكوينها, إنها تعلو وتهبط, تثور وتهدأ, تقوم وتنهار, وتبكي بكاء الثكلى, ثم هي طفل وديع, يتعثر في خطواته, إنها أحوال وطرائق, ولا شيء غير أنها من قواعدها, فنظرة متأنية فيها, تكشف لك ما قد يخفى عنك, أو ما يبدو على أنه تناقض, ففي النفوس الإنسانية أعاجيب, لا تنقضي, ولا تنتهي, وإن لها في كل يوم, وفي كل لحظة أشكال وألوان, هكذا خلقها الله, كنز من المعجزات, كامن في هذا الحيز البسيط, من اللحم والدم, ذلك العالم الصغير الكبير, كل هذا ينبع منه, ويخرج من بوتقته, وينساب حينا, ويتسلل أحيانا حتى يملأ الوجود بالعجب العجاب, ففي كل سنوات العمر, سنوات الطفولة, وسنوات الشباب والكهولة, كل سنوات ولها طابع خاص, لا تمت للأخرى بصلة, كأن الإنسان, أناس كثيرون, يتحول ويتبدل, عبر مراحل حياته, ولكن هناك قاعدة عامة, أو رواسب عالقة, لا تزال في نفسه, لا تبارحها أبدا, ولا تخلو منها نفس, ففي الصغر عواطف مبهمة, خليط من المتناقضات الواضحة, التي لا تعرف نظام, ولا تهتدي لشيء, فيها من التمرد الكثير, لا قيود, إنما هي الحركة, التي لا تعرف سكينة, مزيد منها في كل ساعة, بل في كل دقيقة, وفي كل لحظة, ثم فترة التمرد, الذي يختلط بالغرور, الثورة على الحياة, وعلى المحيطين, وكـأن الحياة تنتظرني, كي أعيد ترتيبها, وأعيد صياغة ملامحها من جديد, ذلك التمرد الغارق في براثن الغرور, ثم تمضي بك الحياة, لتكتشف أن الثورات, التي كنت تقيمها, إنما كانت نابعة من دخان كثيف, حجب عنك رؤية الحقائق, تعود لتبتسم, كيف كنت تفكر؟ وماذا كنت أفعل؟ تثقلك سنوات, مما بعد الحياة, وبعد ضرباتها المتتالية, تظهر لك الحقيقة جلية, تقول في نفسك, كم كنت في غفلةّ! وقد ركبني الجنون والعظمة الفارغة, تعيد شريط الذكريات, وترى أن طيفا مر في ضياع العمر, من غير أن تستفيد سوى الهموم, التي تتراكم مع الأيام, وكنت تظن أنك في مأمن, وإذا بك, وقد أنحنت ظهرك بها, ولم تقدر على تحملها, فتبرك بك, تقضي على عزيمتك, تكمل حياتك, على غير أمل, وعلى غير شيء, سوى أن تموت في سكينة, وهدوء, ودون ضجيج.