Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار وثقافة

محمد عبد الرحمن يكتب: الحب فى منفى بهاء طاهر

ثقافة أول اثنين:


“إن كان لا شيء سيُنقذنا من الموت، فليُنقذنا الحُب من الحياة على الأقل” هكذا كتب الشاعر التشيلي الشهير بابلو نيرودا، وهو يصور ما آل إليه العالم في عصر الحضارة الحديثة التي فجرت الذئب الكامن في داخل الإنسان، وحوّلت البشرية إلى ذئاب ضارية تمارس القتل والفتك من أجل مصالح مادية، وفقدت الحياة المعاصرة الحب والبراءة وغابت الرحمة، وهو ما يتفق إلى حد كبير مع ما صاغه الأديب الكبير بهاء طاهر في مشروعه الإبداعي، فالحب عند صاحب “واحة الغروب” هو الرحمة الوحيدة القادرة على مواجهة قسوة هذا العالم، وغيابه هو خلق للكراهية والدم والدمار.


كتب بهاء طاهر الرواية الواقعية، مقدما رؤيته لهذا العالم بكل ما فيه من وحشية وقسوة، بما في ذلك شخصياته المكوّنة من دم ولحم، وفي تعامل تلك الشخصيات مع التفاصيل الدقيقة، وفي اقترابها من أنفاس البشر، كما يظهر هذا في بناء الحدث والاقتراب الحميم من منابع الحياة وجريانها واضطرابها، بجانب الصراع والتنوع الإنسانى، التي اتخذ أبعادا رمزية وفكرية، وحاول من خلاله أن يعبر عن أنماط النفس البشرية، وتحولات الحياة المصرية.


في كل أعمال بهاء طاهر كان الحب حاضرًا، وهو ملجأ جميع أبطاله للخلاص من القلق والخوف هو الأمان الكامل، لكنه أخرجه عن صورته النمطية بأنه مجرد علاقة بين رجل وامرأة إلى رحلة بحث وتحقق عن الذات، ومرآة عاكسة في منفى العلاقات الإنسانية، ووسيلة لنتعرّف أكثر إلى ذواتنا، هو المتعة الخالصة، وسبيل الخلاص للإنسان، هو المعادل للحرية وللأمل والأمان، وهو أيضا العذاب، خاصة إذ ما طغى عليه الأنانية والجشع، إذا الحب هو الحياة بمفهومها الواسع، ومكون أصيل من مكونات الحياة الإنسانية فلا شيء عنده ينبت خارج دائرة الحب، تلك الدائرة التى تمنح الإنسان المحب وعيا بذاته قبل وعيه بالآخر.


أبطال بهاء طاهر، مأزومون دائما يسعون إلى تجاوز أزمة الاغتراب والبحث عن الذات؛ لذا يلجأ كل منهم إلى الخروج من المكان هروباً إلى مكان أكثر اتساعاً، وأكثر قدرة على احتواء ما في نفسه، يبحثون عن مجهول هو الذات والأمل والحب، فالحب الحقيقي عنده ليس فقط التقاء جسدين بل بحثا عن الهوية والذات، هي محاولة لإعادة إحياء مجتمع رأسمالي بكل ما يعتمل فيه من قسوة وغباء، مجتمع حل فيه العبث الاقتصادي والأيديولوچي.


نظرة بهاء طاهر في أعماله سواء كانت قصصية أم روائية، تحمل دائما إحساس الاغتراب، بكل ما يحمله هذا المعني من تناقض وشعور بالإحباط والضياع والقلق والاغتراب، رغم أنها صيغة تبدو أقرب إلى الانغلاق على الذات، لكنها كانت أكثر انفتاحا على العالم، وكأن بهاء يريد أن ينظر إلى العالم من خلال نفسه، وعلاقته بالأشياء، والقضايا والأفكار الكبرى، لينتقل من الخاص (الاغتراب الذاتي للبطل) إلى العام (الاغتراب الجماعي)، في تجسيد يتفق مع مفهوم الاغتراب الذي قاله عالم النفس إيريك فروم، وعرفه بأنه “فقدان الإنسان لسمة واحدة أو لجميع سمات الذات الأصيلة وهى التفرد والعقل والحب والنشاط الخلاق”.


هكذا أفرد بهاء طاهر الحب في أعماله، وأفرد له مساحات تحرك فيها زمنيا ومكانيا وتعامل معه من كونه تيمة روائية إلى كونه تقنية تلعب دورها في التشابك مع أمور الحياة، ومع القيم الإنسانية، هو لا يرى الحب منفصلا عن سائر قضايا إنسان العصر، فالناس فى عصرنا يحبون وهم يعيشون، ويمارسون الحب وهم يتخلصون من مشكلات الحياة اليومية، وهو ما جعل أبطال رواياته المأزومون يسعون للحب بوصفه تحررا مما يواجهه من أزمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى