Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

مقدمة تحقيقي لكتاب تلبيس إبليس للإمام ابن الجوزي


تحقيقي لكتاب تلبيس إبليس

 

مقدِّمة المُحقِّق:

إنَّ الحمدَ لله نحمدهُ، ونستعينُه، ونستغفره، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفسنا، وسيِّئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله؛ أما بعد:

فهذا كتاب (تلبيس إبليس)، للإمام الحافظ المؤرِّخ جمال الدين أبي الفَرَج عبدالرَّحمن بن الجوزي، المتوفَّى سنة (597 هـ)، نُقدِّمه لإخواننا القُرَّاء، في حُلَّةٍ جديدة، وطبعةٍ بهيَّة، وتنضيدٍ جميل، بعد أن حقَّقناهُ تحقيقًا علميًّا مُفيدًا – إن شاء الله تعالى – فخَرَّجنا أحاديثه، وشرحنا المُشْكِلَ من ألفاظه، إلى غير ذلك من الفوائدِ التي سيراها القارئ الكريم.

 

ولا يخفى على أحدٍ أهميَّة هذا الكتاب القيِّم، والذي تعرَّض فيه مؤلفه لقضيةٍ من أهمِّ القضايا وأعظمها؛ وهي: عداوة الشَّيطان الرَّجيم، للإنسان الكريم، منذُ بداية خلق آدم عليه السَّلام، وإلى قيام السَّاعة، فبيَّنَ فيه مكائده، ومداخله، وتلبيساته على سائِر الأُمَم، وفي مختلِف الفُنون والعلوم، وقد كشفَ المؤلِّف كُلَّ ذلك، وسَلَّطَ عليه نور العلم، محذِّرًا، ومخوِّفًا، وموضِّحًا سبيل النَّجاة والخلاص منه، في ضَوء الكتاب والسُّنة، والعقل الصَّريح، والنَّقْد البنَّاء؛ فجزاه الله عنَّا وعن المسلمين كلَّ خيرٍ.

 

عملي في الكتاب:

ويتلخَّص عملي في تحقيق هذا الكتاب فيما يلي:

أولًا: ضبطتُ نصَّ الكتاب، وحقَّقته، ووزَّعت فقراته، وقابلته مع باقي الطبعات والنُّسخ، وخاصةً الطَّبعة المنيرية التي جعلتها أصلًا، وهي من أقدم طبعات هذا الكتاب؛ وقد طُبعت بمصرَ في منتصف القرن الماضي، كما قمتُ بضبط ما أَشْكَلَ من ألفاظه بالشَّكل؛ لتسهُلَ قراءته.

 

ثانيًا: ضبطتُ الآيات، وعَزَوتُها إلى مواضعها من سُور القرآن الكريم.

 

ثالثًا: خرَّجتُ الأحاديث النبويَّة، التي ذكرها المؤلِّف في كتابه، مع بيان درجتها من الصِّحَّة أو الضَّعف، وذكرت من خرَّجها دون توسُّعٍ في سَردِ الطُّرُق أو المصادر.

 

وأمَّا بالنسبة للحُكم على الحديث، فإن كان في الصَّحيحين أو أحدهما، فأكتفي بالعزو إليهما، مع ذكر رقم الموضع فيهما، وإن كان في غيرهما، فأذكر من صحَّحهُ أو ضعَّفه من أئمَّة الحديث وحفَّاظه؛ كالحافظ الذَّهبي، والعراقي، وابن حجر، والألباني، وغيرهم من أئمَّة هذا الفنِّ ونُقَّاده، وقد أضطرُّ أحيانًا في الكلام على السَّند بما تقتضيه الصِّناعة الحديثيَّة، وذلك في حدود الاستطاعة، وحسبَ ما توفَّر بين يديَّ من مصادرَ.

 

مع التَّنبيه هنا إلى أن المؤلف رحمه الله لم يكن في هذا الباب من نُقَّاد الحديث وحفَّاظه المبرَّزين فيه، بل كان من الجامعين للمُتون المطَّلعين عليها، وأمَّا الكلام على صحيحها وسقيمها، فمَا له فيها ذوق المحدِّثين – كما قال الإمام الذَّهبي – وذلك ظاهرٌ وبارز في مؤلفاته، فالناظر فيها يلمس عدم تمكُّنه من الصِّناعة الحديثيَّة، وأكبر مثال على ذلك كتابه “الموضوعات”، وكتابنا هذا، وسائر كتبه الوعظيَّة، وقد انتقده في ذلك الأئمَّة كالحافظ الذَّهبي، والحافظ السَّخاوي، وغيرهما.

 

رابعًا: خرَّجت الآثار الواردة في الكتاب، ولكن دون أن أستوعبها جميعًا، واكتفيت في عزوها إلى مصدرٍ أو مصدرين، مع بيان درجتها وهذا في القليل النَّادر؛ إذ المعلوم أنَّ هذه الآثار تُذكرُ للاستشهاد بها، لا للاعتمادِ عليها.

 

خامسًا: شرحتُ بعض الغريب الواقع في الكتاب، اعتمادًا على أمهات كتب اللُّغة.

 

سادسًا: عرَّفت ببعض الفِرَق والطوائِف الوارد ذكرها في الكتاب، كما ترجمت لبعض الأعلام، وهذا في القليل النادر؛ وذلك خشية الإطالة.

 

سابعًا: علَّقتُ بعض التَّعليقات، التي رأيت أنَّها ضرورية على مسائل الكتاب، وراعيتُ في ذلك الإيجاز والاختصار، مع العلم أنَّ في الكتاب مواضع كثيرة تحتاج إلى توضيحٍ وبيان.

 

ثامنًا: ترجمتُ للمؤلف الإمام ابن الجوزي رحمه الله ترجمة مُوجزة.

 

تاسعًا: ذيَّلتُ الكتاب بفهرس عام للمحتويات، وكان في النيَّة وضع فهارس فنيَّة تفصيليَّة للكتاب، تُسهِّل على القارئ الوقوف على مُبتغاه، ولكن لم يتيسَّر ذلك الآن.

 

وأخيرًافإنَّني أقدِّم جزيل الشُّكر والتقدير والعِرفَان لكلِّ من أعانني على إخراج هذا الكتاب، وأخصُّ بالذكر: أخي في الله، الأستاذ الفاضل الشيخ: عبدالله، وفَّقه الله لما يحبه ويرضاه، صاحب “دار الإمام مالك“، الذي طلب منِّي تحقيق هذا الكتاب وتخريج أحاديثه، فجزاهم الله عنِّي وعن المسلمين خير الجزاء.

 

هذا؛ وأسأل الله سبحانه وتعالى، بأسمائه وصفاته، أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتنا، وأن يكتبَ لنا التَّوفيق والسَّداد، والهدى والرَّشاد، وأن ينفع به طلبة العلم وجميع المسلمين، إنَّه سميعٌ مجيب.

 

وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.

 

موجز ترجمة المؤلِّف الإمام ابن الجوزي رحمه الله: [المولود: 508هـ – 1114م، المتوفى: 597هـ – 1201م]

اسمه ونسبه وكنيته:

هو جمال الدين، أبو الفرج، عبدالرَّحمن بن عليِّ بن محمد بن علي، القريشيُّ، التَّيْمِيُّ، البَكري، البغدادي، الحنبلي، الواعظ، أحد أفراد العُلماء، المعروف بـ(ابن الجوزي)، نسبة إلى “فرضة الجوز”، إحدى محالِّ بغداد بالجانب الغربي، وقيل: نسبة إلى جَوْزَةٍ كانت في دار جدِّه السَّادس، والتي لم يكن بالبلدة غيرها، وقيل غير ذلك.

 

مولده:

ولد في “درب جيب” من أعمال بغداد سنة (508 هـ)، وقيل: سنة (510 هـ)، وقد قال عن نفسه: “لا أتحقَّق من مولدي”.

 

نشأته:

نشأ الإمام نشأة علميَّةً طيبة؛ إذ بعد أن تُوفِّيَ والده، تربَّى في رعاية عمَّته، حتى إذا أدرك أخذته إلى مسجد الإمام أبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ الفقيه، فاعتنى به، ورعاه رعايةً حسنة، وحفظ على يديه القرآن الكريم، وأسمعه الحديث الشَّريف.

 

وقال عنه ابن الجوزي: “لم أستفِدْ من أحد استفادتي منه”.

 

وقد نشأ الإمام في ترفٍ ماليٍّ، كما قال عن نفسه؛ فقد كان أهله تجَّارًا في النُّحاس.

 

شيوخه:

تلقَّى ابن الجوزي العلم على عدد كبير من أكابر المشايخ وأهل العلم المعروفين في زمانه، حتى إنه لما ألَّف: (مشيخته) ذكر فيها (87) شيخًا؛ ومنهم:

1- محمد بن ناصر، الإمام الحافظ محدِّث العراق، وهو أوَّل شيوخه، وعنه أخذ الحديث، وتخرَّج به.

2-أبو منصور الجواليقي، أخذ عنه اللُّغة والأدب.

3- أبو الحسن بن الزغواني، أخذ عنه الفقه والوعظ.

4- أبو منصور بن خيرون، أخذ عنه القراءات، وغيرهم من العلماء.

 

وسمع الكتب الكبار: كالصَّحيحين، والمسند، والسُّنن الأربعة، وتاريخ بغداد، وما لا يُحصى من الأجزاء والتَّصانيف.

 

وقرأ كُتُبَ الفقه والخِلاف والجدل والأصول، وتتبَّعَ مشايخ هذه الفُنون.

 

مجالسه ووعظه:

لقد اشتُهر الإمام ابن الجوزي بالوعظ، وألَّف فيه، وحصل له من الحَظْوة ما لم يحصل لأحدٍ قطُّ، ومنزلته فيه لم يكن يُدانيه فيها أحد؛ حيث كان يحضُر مجلسه عشرة آلاف، وقد نقل عنه سبطه قوله: “كتبت بإصبعي ألفي مجلَّد، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفًا”.

 

وكان يتَّصف بقوَّة البديهة والعارضة، وحسن التَّصرف في فنون القول، وشدَّة التأثير في الناس.

 

علمه ومؤلفاته:

اشتهر كذلك ابن الجوزي بكثرة مُؤلفاته، ووفرَة مُصنَّفاته، في أنواع العلوم، ومختلف الفنون؛ من التفسير، والحديث، والفقه، والوعظ، والأخبار، والتاريخ، والطِّب، وغير ذلك، وقد كُتب لكثيرٍ منها الذيوع والاشتهار؛ ومن أشهر مصنفاته:

1- “زاد المسير في علم التَّفسير”، وهو مطبوع ومتداول.

2- “الموضوعات من الأحاديث المرفوعات”، /ط.

3- “العلل المتناهية في الأحاديث الواهية”، /ط.

4- “التَّحقيق في أحاديث الخلاف”، /ط.

5- “تلبيس إبليس” (وهو كتابنا هذا، وقد وفَّقنا الله لدراسته وتحقيقه).

6- “صفوة الصَّفوة”، أو صفة الصَّفوة (وهو مختصر كتاب “حلية الأولياء” للحافظ أبي نُعيم الأصبهاني)، /ط.

7- “بستان الواعظين ورياض السامعين”، /ط.

8- “المنتظم في تاريخ الأمم والملوك”، وغيرها، وكل هذه الكتب مطبوعة، وأمَّا المخطوطات من مؤلفاته فكثيرة جدًّا، وهي منتشرة في بعض المكتبات العربية والإسلامية، يسَّر الله طبعها ونشرها.

 

عقيدته:

لقد كانالإمام ابن الجوزيمضطربًا في المعتقد، متردِّدًا فيه بين الإثبات، والتأويل، والتفويض، وقد أنكر عليه معاصروه ومن جاء بعده بعضَ كلامه في ذلك، وكُتبه التي ألَّفها في المعتقد تدلُّ على أنَّه لم يكن سلفيًّا على الجادَّة، بل مضطربًا متلوِّنًا، وخاصة في باب الأسماء والصِّفات، إلا أنَّ هذا كان منه رحمه الله عن اجتهادٍ وتأوُّل.

 

وفاته:

تُوفِّيَ ابن الجوزي رحمه الله في ليلة الجمعة من شهر رمضان، سنة (597 هـ)، بداره في بغداد، وكان له من العمر (87) سنة، ودُفن بباب حرب، بالقرب من الإمام أحمد، وكانت جنازته يوما مشهودًا، رحمه الله رحمة واسعة، وجعل علمه من العلم الذي يُنتفع به.

 

ومن أهم مصادر ترجمته:

1-“وفَيَات الأعيان” (3/140)، لابن خلكان.

2- “البداية والنهاية” (13/28)، للحافظ ابن كثير.

3-“سير أعلام النبلاء” (21/365)، للحافظ الذَّهبي.

4- “العِبر في خبرِ مَن غَبَر” (4/297)، له أيضًا.

5- “طبقات الحفَّاظ” (1/480)، للحافظ السِّيوطي.

6- “المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد” (2/93)، لابن مفلح الحنبلي.

7- مقدمة كتابه “الموضوعات” (1/9-47)، تحقيق الدكتور نور الدين بن شكري.

 

وغيرها من كتب التراجم والطبقات والسِّير…





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى