Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار وثقافة

رامى سعيد يكتب: أم كلثوم.. من مقاطعة الجمهور إلى «كمان مرة والنبى يا ست»

ثقافة أول اثنين:


القاهرة سنة 1926. المكان كازينو البوسفور- الواقع بميدان الحديد- رسم الدخول 5 قروش، على الواجهة من الخارج صورة لشابه فى مقتبل العمر ترتدى عقالا وبلطو أزرق، أسفلها اسم الآنسة أم كلثوم وإلى جوارها عبارة منشدة ومغنية، الوافدون لا يبدو على محياهم أنهم مختلفون عن نوعية الجماهير السائدة فى ذلك الوقت، إذ إن أغلب القادمين إلى المسارح والكازينوهات لا ينشدون السمع أو الطرب وإنما السكر والفرفشة.


الغناء الرائج هو- الطقاطيق الخفيفة الخليعة غالبا- المغنيات المشهورات هن «سيدة الغناء منيرة المهدية والسيدة نعيمة المصرية والسيدة فتحية أحمد»، الناس كل ليلة فى الصالات سكارى يعبرون عن أعجابهم بإلقاء طرابيشهم فى الهواء وعلى المسرح، بعدما يطلبون إعادة أغنيات: «اوعى تكلمنى بابا جى ورايا».. أو «ارخى الستارة اللى فى رحنا.. أحسن جيرانك تجرحنا».


فى تمام الساعة العاشرة مساء، كانت الجماهير قد تراصت أمام المسرح بعدما صعدت على خشبته الآنسة أم كلثوم، التى ما أن بدأت تغنى «سبحان من أرسله لكل من يسمع ويبصر»، حتى طالبها الجماهير بأن تكف عن الغناء، عاندت الآنسة وحاولت أن تتابع ما بدأته، غير أن الجماهير قاطعتها مرة ثانية بالصفافير، مرة ثالثة استمر الغناء إلى أن ثارت الجماهير هذه المرة ثورة عارمة لم يحبطها غير كف ثقيلة هوت بسرعة خاطفة على وجه الآنسة أم كلثوم.


لم يمض وقت طويل حتى تلقت الآنسة أم كلثوم دعوة لإحياء حفل فى قرية تقع بجوار بلدة ميت العامل فى مركز أجا محافظة الدقهلية، ذهبت أم كلثوم كما تقضى العادة، وما أن بدأت غناءها فى دوار العمدة مكان الحفل حتى فوجئت بوقوف أحد الحضور قائلا: «إيه الغم ده.. عاوزين نفرفش».


استمرت الآنسة أم كلثوم فى غنائها غير أن الشخص نفسه عاد ليقف مرة أخرى قائلا: «عايزين نفرفش، عايزين شوية مياعة، شوية مواويل،غنى يا ليل يا عين»، لكن الآنسة أم كلثوم لم تلتفت، واستمرت فى الغناء إلى أن فوجئت بالشخص يقف مخمورًا وسط الدوار وفى يده مسدسًا مصوب ناحيتها قائلا بوعيد: «اللى مش عجبه يطلع برة»، لحظات وكان الجميع قد فر من المكان، ولم يتبق فى الدوار سوى أم كلثوم وأبيها وأخيها خالد، ترجى الأب الشخص- الذى عرفوا منه أنه ابن العمدة- أن يُبعد مسدسه، لكنه رفض وأصر أن تغنى له ما يريد، قابلت أم كلثوم هذا العناد بعنادٍ أشد، واستمر الموقف دقائق ثقيلة بدت كدهر إلى أن أرسلت العناية الإلهية رجلا كان يمر بالمصادفة، فخطف المسدس من يد ابن العمدة بعدما أوسعه ضربًا.


لم يكن يمر شهرا أو حتى أسبوعا دون أن تواجه الآنسة أم كلثوم مشكلة من هذا النوع، بسبب إصرارها الدائم على عدم مجاراة التيار السائد وقتئذ،  فقد كانت توقن فى صميمها- رغم الوحل الذى تغوص فيه القاهرة بسبب الاحتلال وفشل ثورة 19 فى تحقيق أهدافها- أنه لا يزال هناك بهاء ناقص فى هذا الوجود ينتظر أن يبعث من مكان ما فى أعماقها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى