Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

المسيح ابن مريم عليه السلام (7)


المسيح ابن مريم عليه السلام (7)

 

عَرَض المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام دعوتَه المُشْرِقة على بني إسرائيل، وأظهرَ لهم من الآيات والمعجزات ما مثله آمن عليه البشر، كما روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من الأنبياء نبيٌّ إلا أُعطِي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيتُ وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرَهم تابعًا يوم القيامة))، وقد لَقِيَ المسيحُ عليه السلام من بني إسرائيل عنتًا وأذًى، بالرغم من علمهم بأن في وصايا أنبياء بني إسرائيل السابقين أنْ سيجيء لبني إسرائيل مسيح، غير أنهم كفروا بهذا المسيح الحق، وزعموا أنه ليس مسيحَهم المنتظر، فكفروا بعيسى عليه السلام، ولا شكَّ في أن المسيح الذي سيسارع اليهود إلى اتباعه هو مسيح الضلالة الدجال؛ ولذلك قضى الله عز وجل أن مسيح الهدى عيسى ابن مريم ينزل آخر الزمان عند ظهور مسيح الضلالة الدجَّال؛ فيقتله ويقتل أتباعَه من اليهود عليهم لعائن الله.

 

وقد آمن بعيسى عليه السلام طائفةٌ من بني إسرائيل وصار منهم حواريُّون للمسيح عليه السلام، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لكلِّ نبيٍّ حَوَارِيَّ، وإن حواريَّ الزبيرُ بن العوام))، والحواري في الأصل: هو الوزير، أو مَن يصلح للخلافة، أو الناصر، أو الخالص، أو هو ناصر الأنبياء، أو القصَّار؛ لأنه يحوِّر الثياب، أي: يبيضها.

 

وذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وسُمِّي الحواريون لبياض ثيابهم، وقيل: حواري الرجل خاصته، والمتبادر من القرآن العظيم يشعر أن الحواريين هم السابقون الأولون من أمة عيسى عليه السلام وكبار أصحابه رضي الله عنهم وخواصهم، وقد ذكر الله تبارك وتعالى الحواريين في محكم كتابه الكريم في مواضع، فذكر ما ألقى الله عز وجل في نفوسهم من المسارعة إلى الإيمان بعيسى عليه السلام ونصرته وتصديقه، فيما جاء به عن ربه عز وجل حيث يقول: ﴿ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴾ [المائدة: 111]، ومعنى ﴿ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ ﴾ [المائدة: 111] في هذه الآية المباركة هو ما ألهمهم به وقذف في قلوبهم من تصديق عيسى عليه السلام ونصرته، ولا شكَّ في أن الحواريين ليسوا بأنبياء، وليسوا بمعصومين من الخطأ؛ ولذلك ذكر الله عز وجل عنهم أنهم قالوا لعيسى عليه السلام: ﴿ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [المائدة: 112]، فخوَّفهم عيسى عليه السلام من مغبَّةِ هذا السؤال، وأمرهم بتقوى الله، وأنه لا ينبغي لمسلمٍ أن يقترح على الله الإتيان بالآيات؛ لأن سنَّته جَرَتْ أن من اقترح على اللهِ آية ولم يؤمن بها إذا جاءت أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، ونبَّه عيسى عليه السلام الحواريين إلى أن مقتضى إيمانهم ألا يتقدَّموا على الله باقتراح مثل هذه الآية، وأن يعلموا أن الله لا يُعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، غير أن الحواريين ذكروا لعيسى عليه السلام أنهم إنما طلبوا إنزال مائدة من السماء لأنهم يريدون أن يأكلوا منها وأن تطمئنَّ قلوبهم بزيادة الإيمان واليقين إذا رأوا هذه الآية الحسيَّة، ويزدادوا علمًا بأن عيسى عليه السلام قد صدقهم، ويكونوا عليها من الشاهدين، ولا شكَّ في أن سؤال الحواريين هذا أخفُّ من سؤال أصحاب موسى عليه السلام؛ إذ قال بعضهم لموسى عندما رأوا قومًا يعكفون على أصنام لهم: ﴿ يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138]، وأخف من قول أصحاب موسى لموسى: ﴿ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ﴾ [النساء: 153].

 

وقد رأى عيسى عليه السلام أن المصلحة تقتضي أن يتضرَّع إلى الله أن ينزل عليهم مائدة من السماء تكون عيدًا وفرحًا ومسرَّة للمؤمنين في عاجلتهم، وينتفع بالإيمان بها من بعدهم من المؤمنين، وتكون آية من الآيات الشاهدات على أن الله رب كل شيء وسيده ومليكه، وأن أمرَه إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن، فيكون، فأخبر الله عيسى عليه السلام بأنه منزل عليهم هذه المائدة المطلوبة، وأنه مَن يكفر بالله بعد رؤيته لهذه الآية الباهرة والمعجزة القاهرة فإن الله سيعذِّبه عذابًا لم يعذِّب مثله في شدته أحدًا من العالَمين، والمائدة: هي الخُوَان عليه طعام، فإذا لم يكن على الخُوان طعام فإنه لا يسمى مائدة، والأصل في الخُوان أن يتخذ من الخشب وينصب على قوائم، فإذا كان الطعام على جلد أو فراش أو شيء بلا قوائم فإنه يقال له: سفرة، وقد أُثِرَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأكلْ على خوان قطُّ؛ وهي الشيء المرتفع عن الأرض بقوائمه، وإنما كان يأكل على السفرة صلى الله عليه وسلم؛ لأنها عادة العرب، كما أن الخوان من عادة العجم، وقد تسمى السفرةُ مائدةً.

 

وفي قصة المائدة يقول الله عز وجل: ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 112 – 115]، وقد سمِّيَت السورة كلها باسم المائدة، وقد زعم بعض الناس أن المائدة لم تنزل؛ لأن الحواريين لما سمعوا الوعيدَ الشديد على من كفر بها بعد نزولها خافوا وأبوا أن تنزل عليهم، وصريح القرآن شاهد على نزولها لقوله تعالى: ﴿ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ﴾ وهذا إخبار بنزولها، وتأكيد بأنه برهانٌ قاطعٌ على نزولها، والعيد يوم السرور الذي يتكرَّر وكلُّ يوم فيه جمع، قال ابن منظور في لسان العرب: قال ابن الأعرابي: سُمي العيد عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد؛ اهـ.

 

هذا، وما نُقِلَ عن كثيرٍ من المفسرين في صفة المائدة المنزلة على عيسى عليه السلام والحواريين، وفيما احتوته هذه المائدة من ألوان الطعام وأسمائه لم يَثْبُتْ شيء منه بخبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وإلى الفصل القادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى