Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار وثقافة

تاريخ الإنسان.. كيف يؤرخ علماء الآثار الاكتشافات الأثرية؟

ثقافة أول اثنين:


لا يمكن أن نختص أهمية الاكتشافات الأثرية ولا نحصر دورها، وهي ليست بالأمور السهلة والبسيطة، فهي نتاج دراسات علمية، كما تتبعها دراسات أخرى، لكن هذه الاكتشافات تحتاج إلى آليات وأدوات، لذا نتوقف مع كتاب “علم الآثار.. مقدمة قصيرة جدا” لـ بول بان، والذي يتحدث في الفصل الثاني من الكتاب تحت عنوان “التأريخ” فيقول:


لن تجد في دراسة الماضي فائدةً كبيرة إن لم تعرف عُمر الاكتشافات الأثرية، أو على الأقل تعرف أي اكتشاف أقدم من الآخر، فليس هناك أي قدر من الحماسة لدراسة الماضي، يمكن أن يُستعاض به عن التسلسل الزمني المحكم، ولا فائدة من امتلاك الشغف إن لم تعرف تاريخ الاكتشاف الأثري. إذَن، كيف يؤرخ علماء الآثار الاكتشافات الأثرية؟


حتى وقت قريب جدًّا، لم تتوافر سوى طريقتين لوضع التسلسل الزمني؛ وهما: التأريخ النسبي والتأريخ التاريخي. وببساطة، يعني التأريخ النسبي وضع الاكتشافات الأثرية — القطع الأثرية والترسُّبات والأحداث والثقافات — ضمن تسلسل معين، بحيث يكون عُمر بعضها أصغر من عمر بعضها الآخر أو أكبر منه. أما التأريخات التاريخية فتنبثق من الفترات التي لها شواهد مكتوبة، مثل العصور الوسطى أو الرومانية. لكن في حقبة ما قبل التاريخ، لا يفيد فيها سوى التأريخ النسبي، وعلى الرغم من معرفة أن العصر البرونزي أسبق من العصر الحديدي، وأن العصر الحجري أسبق من العصر البرونزي، فإننا لا نعرف طول الفترة الفاصلة بين العصور.


ينبع المنطق الأساسي الداعم للتأريخ النسبي من علم طبقات الأرض، وهو دراسة الطريقة التي تكونت بها الطبقات أو الترسُّبات بعضها فوق بعض. وبوجه عام، تترسب الطبقة الأساسية أولًا؛ ومن ثَم فإنها تسبق الطبقة التي تعلوها. تنطبق هذه الطريقة على القطع الأثرية التي توجد بداخل هذه الطبقات ما لم يوجد شيء يعكس هذا الترتيب، مثل جحور الحيوانات أو حفر مقبرة أو مقالب النفايات أو التعرية أو إعادة الترسبات.


ثَمة طرق لمعرفة هل العظام في الطبقة الواحدة لها العمر نفسه أم لا عن طريق التأريخ الكيميائي. فبمرور الوقت، يتضاءل محتوى النيتروجين في العظْمة، كما أنها تمتص الفلور واليورانيوم بالتدريج. ومن ثَم فإن قياس هذه العناصر سيحدد ما إذا كانت مجموعة العظام دُفنت في الفترة نفسها أم في فترات مختلفة. استُخدمت هذه الطريقة في أوائل خمسينيات القرن العشرين لكشف خدعة بلتداون؛ وهي محاولة وقعت في ساسِكْس عام 1912 لإثبات “الحلقة المفقودة” المفترضة بين القِرَدة والبشر، ولكن تبين أنها خدعة حقيقية. فقد كشف التأريخ الكيميائي أن الجمجمة حديثة، وأن الفك أُخذ من إنسان غابٍ متحضر. كذلك لُوثت الأسنان وتعرضت للتآكل عمدًا كي تبدو قديمة ومقنعة. احتدم النقاش على مدار عقود وعلت الأصوات بشأن المسئول أو المسئولين عن هذه الخدعة، وكان من ضمن المشار إليهم تيلار دو شاردان وسير آرثر كونان دويل، ولكن من الواضح أن الجميع يتفق الآن على أن المسئول هو تشارلز داوسون؛ إذ إنه “مكتشف” الاكتشافات، كما أنه تورط في عمليات احتيال أثرية أخرى.


النوع الأثري الأساسي الثاني للتأريخ النسبي هو «التصنيف النوعي»، ويقصد به تصنيف القطع الأثرية ضمن أنواع تتشارك السمات المادية نفسها والشكل والزخارف، أو أيًّا من ذلك. يعتمد هذا النظام الكلي على فكرتين أساسيتين؛ وهما: الأولى أن القطع الأثرية من مكان وحقبة زمنية محددين تتشارك نمطًا مميزًا (فرز القطع المتشابهة معًا)، وأن التغيرات في النمط تكون تدريجيةً إلى حدٍّ ما. وفي الحقيقة، يمكن أن تتزامن الأنماط المختلفة، ويمكن أن يستمر النمط الفردي مدة طويلة، ويمكن أن تحدث التغيرات في النمط سريعًا، ولكن لحسن الحظ، لا تخوض كتب المقدمات القصيرة في هذه التعقيدات!


على أي حال، كرَّست أجيالٌ من علماء الآثار — وأبرزهم العلماء من البلدان الجرمانية — حياتها لوضع تسلسلات تفصيلية لأشكال الأواني والأدوات والأسلحة، ثم محاولة ربط التسلسلات من مناطق مختلفة. وحينئذٍ تُجمع القطع الأثرية المختلفة — ذات الحقبة الزمنية الواحدة — معًا في «مجموعة»، وتُرتَّب المجموعات ضمن تسلسلات وتُعقد المقارنات بين المناطق بعضها وبعض.


تعتمد التسلسلات الزمنية النسبية الأخرى على تعاقب الأطوار المناخية للعصر الجليدي (العصور الجليدية أو مراحل الزحف الجليدي، والعصور بين الجليدية أو الفواصل الزمنية الدفيئة، والتقلبات الطفيفة التي تُعرَف باسم العصور الباردة والعصور الدفيئة)، ولكن بفضل المعلومات المناخية المفصَّلة المأخوذة من العيِّنات الجليدية الجوفية في القطبين الشمالي والجنوبي، أصبحنا نعرف أن المناخ في العصر الجليدي كان أشد تعقيدًا وأكثر تقلبًا مما نعرف بكثير. كذلك تعطي حبوبُ اللقاح من الترسبات تسلسلات عن التغيرات المناخية والنباتية، ولكن عادةً ما تكون محلية إلى حدٍّ ما. وأيضًا، التأريخ الحيواني — القائم على وجود عظام فصائل الحيوانات المختلفة — طريقة مهمة، لا سيما في علم آثار المعني بعصر البلايستوسين (دراسة العصر الجليدي المتأخر)، حيث توافدت الفصائل الحيوانية التي تعيش في المناخ «البارد» والمناخ «الدفيء» وانقرضت مع التغيرات المناخية والبيئية.


التوصل إلى التسلسلات الزمنية إنجاز عظيم، ولكن تواريخ التقويم — «التواريخ المطلقة» — هي ما يَتُوق إليه علماء الآثار. وحتى أواخر القرن العشرين، لم يكن ثَمة تواريخ متاحة غير التي عُرفت من الروابط الأثرية بالتسلسلات الزمنية والتقويمات التي وضعتها الشعوب القديمة، وهذه التقويمات لا تزال ذات أهمية كبيرة في عصرنا الحاضر. والعديد من هذه التقويمات — مثل التقويم الروماني والمصري والصيني وغيرها — اعتمد على سنوات الحكم للقناصل أو الأباطرة أو الملوك أو «الأسرات الحاكمة». الأسرات الحاكمة المصرية، على سبيل المثال، يمكن تأريخها بدايةً من غزو الإسكندر الأكبر لمصر، الذي وقع عام 332 قبل الميلاد حسب المؤرخين اليونانيين. كذلك ورد مزيد من التفاصيل والتوضيحات من السجلات المصرية الخاصة بالأحداث الفلكية التي نعرف تواريخها من مصادر علمية مستقلة.




 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى