Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

موسى عليه السلام (6)


موسى عليه السلام (6)

 

أرشدَ الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام أن يبرز إلى فرعونَ آيةَ العصا وآية اليد، ولما وصل موسى عليه السلام إلى مصر وانضمَّ إليه أخوه هارون بن عمران عليه السلام توجَّها إلى فرعون، وطلبا منه أن يُخلص العبادةَ لله وحده، وأخبراه أنهما رسولا رب العالمين، وقال له موسى عليه السلام: ﴿ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [النازعات: 18، 19] وتسعد في الدنيا والآخرة؟ ﴿ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ [الأعراف: 105]، و﴿ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [طه: 47] ومعجزة ظاهرة قاهرة، فآمن بالله، وأرسِل معنا بني إسرائيل، قال فرعون: ﴿ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴾ [الشعراء: 18] عديدة، ﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ ﴾ [الشعراء: 19]، وأنت جاحد للنعمة التي أسديناها إليك، قال موسى عليه السلام: لقد فعلتها وأنا غير قاصد، فلم أُرِدْ قتلَ القبطي عندما وَكَزْتُه، ولعلمي أنكم لن تحكموا في هذه القضية بالحقِّ فررتُ منكم لأني خفتكم ﴿ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 21]، ولقد أُوحي إلينا يا فرعون أن العذاب على من كذَّب بآيات الله وأعرض عن دِين الله وكذَّب المرسلين، ولا تتكبَّروا على الله رب العالمين، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 23]، قال موسى عليه السلام: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ [الشعراء: 24]، إن كان هناك شيءٌ يُوقن به فهو رب السماوات والأرض لظهور برهانه وبلوغ حجَّته، وهو الذي خلق كل شيء، وأعطى كل شيء من خلقه ما يتميز به عن غيره، ثم هداه بما فطره فيه من الجبلَّة إلى مطعمه ومشربه وبقاء نسله وغير ذلك؛ فالدواب والطيور والأسماك تعرف مساربها، وقد أودعها الله عز وجل من آياته وآلائه ما لا يحيط به إلا الله عز وجل، ففي العالم آيات ساطعات وبراهين قاطعات تَشهد أنها من صنع رب العالمين، وقد أقام في كلِّ شيء من الكون آية؛ على حد قول الشاعر:

فيا عَجبًا كيفَ يُعصَى الإل
هُ أمْ كيفَ يجحدُه الجاحدُ
وفي كلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ
تدلُّ على أنه الواحدُ

 

ولو بذلنا ما في الأرضِ من محابرَ لنشرحَ آيات الله في الإنسان والسماوات والأرض وما بينهما، وجميع ما وصلت إليه المدارك الإنسانية – لعجزنا عن الوفاء بذلك؛ ولذلك اكتفى موسى عليه السلام بقوله لفرعون: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]، قال فرعون لمن حوله وقد انبهر: ألا تستمعون إلى ما يقول موسى في دعواه وجودَ إلهٍ غيري؟ قال موسى عليه السلام: الذي أرسلني وهو الذي خلق السماوات والأرض هو ﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الشعراء: 26]، قال فرعون لمن معه من ملئه مستهزئًا منقطعًا: ﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الشعراء: 27]، فأجابه موسى عليه السلام بأن الله الذي أرسلني هو ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء: 28] فسارِعوا إلى الإيمان به قبلَ أن ينزل بكم عقوبته، فاشتدَّ انقطاع فرعون عن المحاجَّة، ولجأ إلى التهديد بالسجن لموسى عليه السلام فقال: ﴿ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [الشعراء: 29]، فلم يزدد موسى عليه السلام أمامَ هذا التهديد إلَّا نُصحًا فقال: أتسجنني، ولو جئتك بآية واضحة، وحُجة قاهرة على أني رسول الله رب العالمين؟! فازداد فرعون سفهًا وعُلوًّا، وقال لوزيره هامان: ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا ﴾ [القصص: 38]؛ لأصعد عليه؛ لعلِّي أنظر إلى إله موسى وأكلمه إن كان صادقًا أن في السماء إلهًا، وأراد بذلك أن يموِّه على قومه، وأن يستخفَّهم حتى لا تتسرب إلى قلوبهم أنوار الحق الذي جاء به موسى عليه السلام، وقال له موسى عليه السلام: أتستمرُّ يا فرعون على تكذيبك، وإن ﴿ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 30]؟ قال فرعون: ﴿ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الشعراء: 31] فألقى موسى عصاه فإذا هي حيَّة تجري على بطنها، وتهتزُّ مسرعة كأنها جانٌّ، وصارت تتضخَّم وتكبُر، فكاد قلب فرعون ينخلع، ثم أدخل موسى يده في جيبه ثم أخرجها فإذا هي بيضاء من غير برص ولا سوء، فقال فرعون وقومه: ﴿ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ﴾ [طه: 63]، وهذا السحر يدل على أنه سحر ساحر عليم.

 

وطلب ملأ فرعون مِن فرعون أن يبعث في المدائن رسلًا يجمعون السحرة من سائر أنحاء بلاد مصر؛ ليجيؤوا ويجتمعوا عند فرعون لمغالبة موسى عليه السلام، وقال فرعون وملؤه لموسى عليه السلام: ﴿ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ ﴾ [طه: 57، 58] في مكان متَّفَق عليه بيننا وبينك، قال موسى عليه السلام: ﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ ﴾ [طه: 59]؛ وهو يوم عيدهم الذي يتزيَّنون ويجتمعون فيه، وأن يكون الاجتماع بيننا وبينكم وقت الضحى.

 

وفي مجيء موسى عليه السلام وأخيه هارون عليه السلام إلى فرعون وتبليغهما له رسالة الله وما كان من فرعون وملئه مع موسى عليه السلام يتحدَّث القرآن العظيم في مواضع شتَّى فيقول الله عز وجل في سورة الأعراف وهو أصدق القائلين، وما يقصُّه هو أحسن القصص:

﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾ [الأعراف: 103 – 112].

 

ويقول عز وجل في سورة يونس: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ * قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾ [يونس: 75 – 79].

 

وقال تعالى في سورة هود: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ [هود: 96، 97].

 

وقال تعالى في سورة طه عن موسى وهارون أنَّهما قالا لفرعون لما جاءا إليه: ﴿ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ [طه: 47 – 54].

 

وإلى الفصل القادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى