العدل في النقد

العدل في النقد
مع هذه الحال فإنه لا مسوغ لنقد الاستشراق من هذا المنطلق أو ذاك، دون توخي العدل في الحكم على هذه الظاهرة، ومِن ثمَّ جعل الاستشراق مجالًا للكتابة العاجلة، التي قد ترضي متوسطي الثقافة، كما يقول السيد محمد الشاهد، وهو أحد المعنيين مباشرةً بالدراسات الاستشراقية من منطلق تخصصي: “كثر الحديث في العقدين الأخيرين من هذا القرن العشرين عما يُسمى في بلادنا ظاهرة الاستشراق، شارك فيه المتخصص وغير المتخصِّص، من يعرف لغات الاستشراق ومَن لا يعرفها، فجاء معظم الحديث نقولًا عن نقول، أخذت عن ترجمات فيها الصواب والخطأ، وأصبح ميدان الاستشراق – أو كاد – حلًّا لمن أراد التأليف السريع، لا يتطلب من طالبه سوى جمع بعض ما سبق، وتوليفه وتزيينه بعناوين جذابة ترضي ذوق متوسطي الثقافة”[1]، وقريب من هذه العبارة التشخيصية القول بأن نقد الاستشراق قد تحوَّل إلى “موضة” “لا يتخلَّف أحد عن المشاركة فيها”، كما يقول فرانسوا دي بلوا[2].
من متابعة نقد الاستشراق يمكن الحكم بأنه كلما تعمق الباحثون في نقد الاستشراق زادت نظرة الإنصاف لديهم، والعكس قد يكون صحيحًا في حالات ذات قابلية للمتابعة بالدراسة والبحث[3]، وهناك نماذج من علماء المسلمين ومفكريهم يؤيدون هذه النتيجة، من خلال إنتاجهم الفكري في نقد الاستشراق، وإن اختلفوا في أسلوب الطرح فيما بينهم؛ من حيث الموقف العام من الاستشراق، هذا الأسلوب في نقد الاستشراق قد وصل به إلى أن يُعاني مِن أزمة، ووصل ببعض المستشرقين إلى التنصل من المصطلح، هروبًا مما لحق به في الأوساط العلمية والثقافية الإسلامية والعربية[4].
كما أن هناك عددًا من العلماء والمفكرين ممَّن يصدق عليهم التسرع في الحكم السلبي على الاستشراق والمستشرقين، دون الغوص بما أسهم به فريق من المستشرقين في هذه النهضة الفكرية التي يعيشها الوسط العلمي والفكري العربي والإسلامي، وإن لم يكن هذا التأثير مباشرًا فقد كان هناك تأثير محفِّز إلى الالتفات إلى الذات، من خلال الالتفات إلى التراث، من منطلق أن إثارة الجدل حول موضوع ما سلبًا أو إيجابًا تلفت الانتباه إليه، وهذا مجال خصب للدراسة العلمية المتعمقة التي تأخذ نماذج من “الطرفين” من خلال إنتاجهم العلمي.
[1] انظر: السيد مُحمَّد الشاهد، الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين، الاجتهاد، ع 22 (شتاء العام 1414هـ / 1994م)، ص 191 – 211.
[2] انظر: فرانسوا دي بلوا، في نقد المستشرقين / ترجمة رضوان السيد، الفكر العربي، مج 5 ع 32 (4 – 6 / 1983م)، ص 145 – 151.
[3] انظر: محمد خليفة حسن، أزمة الاستشراق الحديث والمعاصر، الرياض: جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، 1421هـ / 2000م، 470 ص.
[4] انظر: علي بن إبراهيم النملة، الالتفاف على الاستشراق: محاولات التنصُّل من المصطلح؛ مرجع سابق، 182 ص.