لماذا يحرقون القرآن؟
لماذا يُحرقون القرآن؟
بين الفينة والأخرى يقوم الغرب باستفزاز مشاعر المسلمين، والسماح لهؤلاء المتطرفين بحرق القرآن الكريم، تحت حماية القانون ورجال الشرطة، أفعال مستفزة، وأعمال دنيئة حقيرة يقومون بها، تُبيِّن لنا حجم الحقد الذي يحملونه في صدورهم، والكراهية التي وصلوا إليها تجاه الإسلام.
إن هذه الأعمال لا يمكن أن تُفسَّر إلا في إطار الحملة الشرسة التي يقوم بها الغرب ضد كل ما هو إسلامي أو ما يُعرف بالإسلاموفوبيا.
وهذا الفعل هو امتداد لسلسلة من صور الكراهية والعداء للإسلام التي بدؤوها في الحجاب.
فبعد حملتهم على الحجاب، وتجريم كل صوره وأشكاله في المجتمع، واعتباره لباسًا دخيلًا يتنافى مع قِيَمِ الغرب وحضارته، ومحاولة شيطنة المتحجبات، وربطهن بالإرهاب والقتل.
وبعد أن فشلوا في نزع الحجاب من على المسلمات، وتجريمهن وحرمانهن من أبسط حقوقهن، وممارسة حريتهن في ارتداء ما يُرِدْنَ من لباس، فلم يزِدْهُنَّ إلا تمسكًا بالحجاب، وحرصًا على ارتدائه، فزادهم ذلك غيظًا وغمًّا في نفوسهم.
فانتقلوا إلى الخطوة الأخرى من حربهم على الأسرة المسلمة التي هي منبع القيم، وأصل الفضيلة، وحائط الصد الأول ضد دعواتهم الشيطانية، وأعمالهم الإجرامية؛ حيث قاموا بنزع أطفال المسلمين بوحشية من والديهم، ودفعهم إلى أسر وعوائل نصرانية؛ لتربيتهم على النصرانية، وسلخهم من دينهم وعقيدتهم، بحجج واهية وأعذار ساقطة جدًّا، أمام نظر العالم الذي يتغنى بكفالة حقوق الأطفال، وعدم حرمانهم من والديهم بأي ظرف من الظروف، فلما فُضِحوا أمام العالم، وعرف الناس كَذِبَهم في ادعائهم حرية التعبير، واحترام حقوق الإنسان، وتسترهم خلف ادعاء حرية الرأي والديمقراطية، لجاؤوا إلى استفزاز مشاعر المسلمين بحرق المصحف، وتدنيس القرآن الكريم الذي هو أعظم كتاب عندهم، ويمثل دستور حياتهم والحبل الذي يجمع شملهم، ويؤلف بين قلوبهم، ورغم دعوات العقلاء بعدم الإقدام على هذا الفعل الذي ليس له إلا إذكاء الكراهية بين الشعوب، وزرع الأحقاد، وتقويض السلم العام، إلا أن كل تلك الدعوات لم تلقَ منهم أذان مصغية، بل سمحوا بهذا الفعل تحت مظلة القانون، وحماية رجال الأمن.
وفي نظري: إن الذي دفعهم إلى هذا الفعل، وتجاهل دعوات المسلمين في بقاع العالم لهم بالعدول عنه، وعدم تنفيذه عدة أمور؛ أهمها:
أولًا: علمهم بضعف المسلمين وتفرقهم، وذهاب شوكتهم؛ ومن ثَمَّ يعلمون يقينًا أنهم لن يحركوا ساكنًا، ولن يفعلوا أمرًا سوى الشجب والاستنكار الذي يجيدونه فقط، وقد تذكرت البيت السائر الذي حدث لعمر بن أبي ربيعة:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي صولة الْمُسْتَأْسِدِ الضاري
|
ولو كان لهم كلمة، لَما تجرأ الناس على إهانة الإسلام، والتنكيل بالمسلمين، والاعتداء على حرماتهم ومقدساتهم في كل بقعة من بقاع الأرض، ولو أن السويد فعلت ذلك مع طائفة غير مسلمة، لقامت عليها الدنيا، ولن تقعد حتى يثنوها عن فعلها، وما سفير إسرائيل عن ذلك ببعيدٍ؛ فقد منع حرق التوراة وإهانة كتابه المقدس الذي يدعيه.
ونحن نطالب المسلمين في كل بقاع العالم بالوقوف ضد كل من يُهِين ديننا، ويدنِّس كتابنا الكريم، كل واحد بما يستطيع من جهد، وخصوصًا حكام المسلمين، والجمعيات الإسلامية العالمية العاملة، وكبار العلماء ومجمعاتهم العلمية؛ بالاستنكار ومخاطبة المعتدين، والتحذير من هذا الفعل، وعقد المؤتمرات، وإقامة الخطب؛ حتى لا يمر هذا الفعل وينقضي، وننسى، ثم يعودوا بعدها إلى الفعل مرة أخرى.
ثانيًا: يبين لنا هذا الفعل مدى حقدهم وكراهيتهم للإسلام، وإن حاولوا إظهار غيره؛ وهذا كتاب ربنا يبين عداوتهم بقوله: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120]، فبيَّن بخطاب قطعي لا يحتمل الشك أنهم لن يرضوا عنا إلا إذا أصبحنا مثلهم في الملة والدين.
وهذا من نِعَمِ الله علينا؛ حتى لا ننخدع بهم، أو نغتر بشعاراتهم الكاذبة، ودعواتهم المضللة إلى الإنسانية والحرية، واحترام حقوق الإنسان، وإنما هي شعارات يُلوِّحون بها إذا كان المظلوم منهم، أما إذا كان المظلوم مسلمًا، فهذه الشعارات لا تعمل ولا تنطبق عليهم؛ لأنهم في نظرهم خارج تصنيف الإنسانية، ولا يستحقون الحياة أصلًا.
ثالثًا: يريدون من هذا الفعل إهانة المسلمين وإذلالهم؛ فالقرآن الكريم هو الكتاب الجامع لكل المسلمين، ومن شكَّ في شيء منه خرج من الإسلام، ومن ثَمَّ فإن إهانة القرآن هو إهانة لكل المسلمين، وما علموا أن فعلهم هذا لا يزيد المسلمين إلا تمسكًا بكتابهم، وإقبالًا على تلاوته، وحفظه، والعمل به، فانقلب مكرهم بالنَّيل من القرآن والحط من قدره، زيادة في رفعته، وعلوًّا في منزلته، وارتفاعَ قدره بين المسلمين، وكثرة الإقبال على حفظه وتعلمه، فكيف تُهزَم أمة كتابُ الله محفوظ بين أظهرها، وحبل الله المتين ممدود إليها؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((تركت فيكم ما إن تضلوا بعدهم أبدًا: كتاب الله، وسنتي…)).
رابعًا: إن هذا الفعل صفعة المنافقين والمنبهرين بالغرب وأهله من المسلمين الذين يتغنون في كل مجلس بقِيَمِ الغرب وسِلْمِيَّتِهِ، واحترامه لحقوق الإنسان، واحترام اختلاف الرأي، وكفالة حرية المعتقد والدين، ولكن هذه الأعمال تفضح تلك الدعوات، وتنسف تلك التصورات، وتبين حقيقتهم للناس، فماذا فعل بهم القرآن ليُحْرِقوه؟ وماذا نقموا عليه ليحاولوا إهانته؟ بينما لم يفعلوا مع بقية الكتب التي لها اتباع وملل وعقائد، فهذه ازدواجية غريبة ينتهجونها في حياتهم، وهذا تمييز عنصري واضح في معاملاتهم مع المسلمين وغيرهم.
خامسًا: إنهم يريدون من هذا الفعل جسَّ نبض الأمة، هل ما زال القرآن يجري في دمائها، وتنبض به قلوبها، أم إنهم قد بعدوا عنه، ونسوا كثيرًا من أحكامه، وهجره كثير من أبنائه؟
فإذا رأوا دفاعنا واستنكارنا لهذا الفعل، ووقوفنا بحزم ضد حملاتهم المغرضة وأعمالهم الشانئة، ودافعنا عن كتابنا القرآن، فإن هذا يجعلهم يخافون من القيام به مرة أخرى، فلا يقدموا على أن يستهزؤوا بكتابنا، ويهينوا دستورنا، فرفعُ أعلام السلام وشعارات التسامح في هذا الوقت هو دليل على الجبن والضعف، فالتسامح لا يكون إلا مع من يحترم ديننا ويسالم ملتنا، لا مع من إذا رأى التسامح زاد في غيِّهِ وعدوانه، واستشرى ضرره وعظم خطره علينا، وظن أن هذا ضعفٌ بنا.
سادسًا: حرقُهم للقرآن الكريم يدل دلالة واضحة أن مشكلتهم تكمن في هذا الكتاب، وأن هذا القرآن هو الذي يغيظهم وينقص عليهم معيشتهم، فكيف يَهْنَؤون والمسلمون لديهم كتاب منزَّل هو دستور حياتهم، وسبب فوزهم وسعادتهم؟ وكيف يَضِلُّوا ما دام هذا القرآن بين أيديهم وكلامه يُتلى عليهم ليلًا ونهارًا؟ فما دام القرآن موجودًا، فسوف يعودون يومًا إلى قوتهم وحضارتهم مهما بعدوا عنه؛ ولهذا سَعَوا جاهدين إلى إبعاد المسلمين عن هذا الكتاب، وحاربوه بكل الأساليب، فحاولوا تشويه صورته تارة؛ فمرة يصفونه بأنه كتاب دمويٌّ، ومرة أخرى يصفونه بأنه كتاب رجعِيٌّ متخلف، إلى غيرها من العبارات المغرضة، والأوصاف الكاذبة؛ يقول غلادستون: “ما دام هذا القرآن موجودًا، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان”، وقد قامت فرنسا بمحاولة سلخ المسلمين في الجزائر من دينهم وعقيدتهم، ولكنها فشلت في ذلك؛ حتى قال وزير مستعمراتها يومًا: “وماذا أفعل إذا كان القرآن أكبر من فرنسا؟”.
وفي الختام نقول: إن دفاعنا عن قرآننا وعقيدتنا هو دليل على صدق الإيمان، ونصرة لله تعالى، وبهذا ننال النصر والتمكين في الأرض؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، فالدفاع عن الدين سبب للثبات على الحق، والتخاذل عن نصرته، والوقوف أمام كل من يريد النَّيل منه هو سبب للهزيمة والخذلان.