نصائح تساعدك على التوقف عن التفكير فيما يعتقده الآخرون عنك
ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب “داريوس فوروكس” (Darious Foroux)، ويقدِّم فيه 5 نصائح للمساعدة على تعزيز الثقة بالنفس.
إذا تفحَّصت الأمر عن كثب، فستجد أنَّ أي شخص يتأثر في آراء وأفعال الآخرين، وللتوضيح سنقدِّم لك بعض الأمثلة:
- الشاب الذي يرتاد صالة الألعاب الرياضية منذ سنوات، ودائماً يرى أنَّ غيره يمتلك بنية جسمانية أفضل منه.
- الفتاة التي لا تكرِّس حياتها من أجل مهنتها، لأنَّها تخشى أن يُطلق عليها أصدقاؤها أو عائلتها حكماً سيئاً.
- الشاب الذي يتجنَّب ارتداء الزي الرسمي لأنَّه يخشى أن يُنتقد بسبب مظهره الجاد.
- الرجل الذي يخشى سخرية الآخرين لأنَّ لهجته غريبة.
- الشخص الذي يخشى أن ينشر رأيه الصريح على مواقع التواصل الاجتماعي خشية أن يثير حساسية الآخرين.
الأمثلة عن ذلك كثيرة ولا حصر لها، ولا يمكن أن نصدِّق شخصاً يقول إنَّه لا يتعرَّض لهذه الأفكار، فجميعنا نهتم بآراء الآخرين، وهذا جزء من طبيعتنا البشرية، فلدى جميع البشر الرغبة بأن يكونوا مقبولين، وهو ما يُسمَّى الرغبة بالانتماء، فإنَّ الرغبة في الانتماء ما هي إلا نتيجة للمورثات التي اكتسبناها بفعل آلية الاصطفاء الطبيعي.
ففي مرحلة العصور الوسطى، لم يتمكَّن الأشخاص الذين لم يكن لديهم حاجة الانتماء إلى جماعة من النجاة وحدهم، وما يزال الأمر صحيحاً إلى حدٍّ ما في عصرنا الحالي، فنحن كائنات اجتماعية بطبيعتنا، لكنَّ الأمور قد تغيَّرت، فنحن قادرون على عيش حياتنا بمزيد من الاعتماد على الذات، ولدينا تقنيات حديثة الآن؛ أي إنَّنا لم نعد نحتاج إلى أن نكون مقبولين من الجميع الآن.
ففي العودة إلى العصور القديمة نجد أنَّ الإنسان كان يحتاج إلى أن يكون مقبولاً من جميع الأفراد المحيطين به، أمَّا اليوم فقد أصبح لدينا مزيد من القدرة على العيش بمعزل عن الآخرين، فإذا لم يتقبلنا الآخرون كما نحن عليه، فإنَّنا ما نزال قادرين على متابعة حياتنا من دونهم.
إذاً القدرة على عيش حياتنا دون المبالغة بالاهتمام لما يقوله أو يفعله الآخرون مُمكنة، والسؤال إذاً كيف تفعل ذلك؟ كيف تقلِّل من اهتمامك بآراء الآخرين وأفعالهم؟
فيما يأتي سنقدِّم بعض النصائح التي تساعدك على تحقيق ذلك:
1. تخلَّص من وهم أنَّ انتماءك يحدِّد قيمتك:
لطالما أحببت أن أكون فرداً في مجموعة، ففي المدرسة الثانوية كنت عضواً في مجموعة سميناها “مجموعة الشباب الرائعين”، وكنَّا نتسكع معاً ولم نسمح لأحد بالانضمام إلينا، فعندما تكون عضواً في مثل هذه المجموعات، فإنَّك تكتسب شعوراً زائفاً بالقوة والمكانة.
هذا النموذج من المجموعات ما يزال سائداً أينما نظرت حولك، في المكتب، وضمن العائلة، وفي النوادي، والآن في مواقع التواصل الاجتماعي، وكل شخص يريد أن يكون جزءاً من هذه المجموعات المتصورة.
مع ذلك، أظنُّ أنَّه في هذا الزمن تعدُّ حاجة الشخص إلى أن يكون جزءاً من مجموعة حتى يشعر بأنَّه شخص رائع أمراً مثيراً للشفقة، فهي شيء يعبِّر عن حاجة طفولية لتلقي القبول، فلا تحتاج بصفتك شخصاً بالغاً أن تكون عضواً في مجموعة، يكفي أنَّ لديك عائلتك وبعض الأصدقاء الطيبين ومهنتك وبعض الهوايات وهذا يكفي حقاً.
فأنا أتجنَّب المجموعات؛ لهذا لم أصبح عضواً في مجموعة خاصة بالمدونين أو الكتُّاب، ليس لأنَّ لديَّ مآخذ على الكتُّاب الآخرين، لكن كل ما هنالك أنَّه ليس لديَّ الحاجة إلى أن أكون عضواً في مجموعة.
حتى لا تختلط المفاهيم لدى القارئ، نؤكِّد أنَّه ليس عيباً أن يبحث الشخص عن أقران يدردش معهم، فمعظم الناس يحبون ذلك، لكن إيَّاك وتحت أي ظرف أن تجعل تحديد هويتك مرتبط بمجموعة بصرف النظر عن ماهيتها.
شاهد: كيف تستطيع أن تكون حازماً دون وقاحة
2. امتلك رسالة تعيش لأجلها:
أحد الأسباب التي تجعلنا ننجذب للمجموعات هو الشعور بعدم اليقين، فنحن بهذه الحالة نتهرَّب من مسؤولية وضع قواعد حياتنا، ونقلِّد بطريقة عمياء ما يفعله أعضاء المجموعة بناءً على منظومة المعتقدات لديهم.
لأنَّك تنضمُّ إلى مجموعة، فيجب أن تتبنَّى منظور أفرادها ومبادئهم، وهنا يوجد احتمال أن تتوافق معتقداتهم مع معتقداتك، لكن ما يحدث أنَّ معظم الأشخاص يغيِّرون مبادئهم ومعتقداتهم لتتلاءم مع معتقدات ومبادئ المجموعة.
لكن في عالمنا المعاصر لم تعد تحتاج إلى أن تتأقلم حتى تكون جزءاً من مجموعة، وما الداعي لذلك أصلاً طالما أنَّك تعلم أنَّه يوجد ملايين الأشخاص في العالم يتبنون نفس قناعاتك ومبادئك.
لذلك؛ بدلاً من أن تكون مدفوعاً بالحاجة إلى الانتماء، اجعل دافعك الأساسي هو الرسالة التي تريد أن تؤديها، وإذا لم يكن لديك رسالة، فلا تتسرَّع في إيجادها، فهي ليست شيئاً يمكنك تحديده بغضون أيام.
لقد أوضح الراحل “ستيفن كوفي” (Stephen Covey) مؤلف كتاب “العادات السبع للناس الأكثر فاعلية” (7Habits Of Highly Effective People) هذه الفكرة بقوله: “وجود رسالة ليس شيئاً يُتوصَّل إليه بين ليلة وضحاها، لكنَّه شيء يتم تدريجياً، بحيث تصبح رسالتك هي قانونك في الحياة؛ أي إنَّها التعبير العملي عن رؤيتك وقيمك في الحياة، وتصبح رسالتك هي المعيار الذي تقيس به كل شيء آخر في حياتك”.
هذا الجزء الأخير من المقولة بالغ الأهمية، فبدلاً من اتخاذ معايير الآخرين بوصفها وسيلة لقياس الأشياء في حياتك والتي هي أصلاً السبب الذي يجعلنا نهتم كثيراً بآراء الآخرين، يجب أن تقيس جميع جوانب حياتك من خلال رسالتك.
3. حدِّد قيمك الأساسية في الحياة:
كتبت كثيراً عن مقدار القوة التي نشعر بها عندما نمتلك قيماً أساسية، فامتلاك قيم أساسية يجعلنا قادرين على قياس التقدُّم والإنجازات في حياتنا بناءً على هذه القيم، وهذه ليست طريقة مستحدثة لعيش الحياة بطريقة صحيحة، فمعظم الأشخاص الناجحين والسعداء في الحياة يعيشون وفق قيمهم.
خذ مثلاً، “هوارد شولتز” (Howard Schultz) الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة “ستارباكس” (Starbucks)، وكان له الفضل في تحويل هذه الشركة إلى أيقونة في ثقافة الشركات كما هي الآن، يقول عن قوة القيم: “لم أرغب أبداً أن أكون في قائمة أثرياء العالم، ولم أحدِّد هويتي أبداً بمقدار ما أملك من ثروة، بل أحاول أن أحدِّد هويتي بناءً على قيمي”.
فإذا كنت ترغب في أن يكون دافعك في الحياة هو أداء رسالتك بدلاً من الرغبة في الانتماء، فخذ وقتك لاكتشاف قيمك الأساسية، ويجب أيضاً أن يكون لديك تصوُّر عن الطريقة التي ترغب فيها في عيش حياتك.
فامتلاك الرؤية يعني أنَّك تعرف ما تريد تحقيقه، ولتحقيقه ستقوم بوضع خارطة طريق والتي هي التعبير عن قيمك في الحياة، فعندما تمتلك هدفاً (رؤية)، وخطة (قيم أساسية)، فإنَّك لن تبالي بآراء الآخرين.
فلن تهتم بعدها ما إذا كان الآخرون يخرجون للمرح مرتين في الأسبوع، ويشترون ملابس وسيارات فخمة، ويتحدثون بطريقة جذَّابة، أو يمتلكون بنية عضلية رائعة.، ولن تهتم إذا ما كان الآخرون لا يحبون عملك، ولا يؤيدونك في خياراتك المهنية؛ إذ ستسعى وراء حلمك حتى لو لم ينل استحسان الآخرين، ستهتم فقط بتحقيق هدفك وأداء رسالتك.
4. كن مخلصاً لقيمك:
يوجد جزء كبير وراء رغبتنا في الانتماء، وهو أنَّنا لا نريد تخييب أمل الآخرين، وهذا أشبه بفخ يقع فيه معظم الناس اللطفاء والعقلاء؛ إذ أعدُّ نفسي شخصاً لطيفاً، لكن لا أعبأ البتة بما ينتظره الآخرون مني أو أخشى تخييب ظنهم بسبب أفعالي.
لا أعني بالآخرين الغرباء فحسب، بل حتى زوجتي وعائلتي وأصدقائي، فالشخص الوحيد الذي لا أريد تخييب ظنه هو أنا، مثلاً، عندما أجد نفسي أكذب كذبة بيضاء، فإنَّني أشعر بالخجل من نفسي، لأنَّني لم أعش وفق قيمي الأساسية، كذلك عندما لا أعيش بطريقة تخدم رسالتي وسرعان ما أصحِّح مساري.
فما يجب أن تعلمه، أنَّ من يخيب ظنه بسبب الآخرين هم الأشخاص الأنانيون فقط، أمَّا الأشخاص غير الأنانيين والمكتفيين بذواتهم لا يخيب ظنهم أبداً بالآخرين.
فعندما لا تريد من الآخرين شيئاً ولا تتوقع منهم شيئاً، فهل تعتقد أنَّه يمكن لأحد أن يخذلك؟ بالطبع لا، لديَّ فلسفة بخصوص هذا الأمر وهي أنَّك إذا شعرت بالخذلان فهذه مشكلتك لا مشكلة الآخرين.
شاهد أيضاً: 8 أشياء لا تحتاج إلى موافقة الآخرين للقيام بها
5. أسِّس علاقات وثيقة مع الناس الطيبين:
تشكَّلت قناعتي هذه بسبب علاقتي بالأشخاص الجيدين في الحياة، فأنا أنتمي لعائلتي، وأفتخر أنَّ لديَّ والدين رائعين، وأخ مخلص، وعدد قليل من الأصدقاء المقربين الذين أتحدث إليهم أسبوعياً.
فهذا هو الانتماء الوحيد الذي تحتاج إليه، وهو الذي يساعدك على تجنُّب الاكتئاب والشعور بالوحدة، فإذا لم يكن لديك هذا النوع من العلاقات، فاسعَ إلى أن يصبح لديك انتماء حقيقي غير مزيَّف، فلا يمكن إنكار أنَّ هذه الحاجة إلى وجود أشخاص صادقين من حولك هي حاجة بيولوجية.
أتفهَّم أنَّ بعض الأشخاص يفضِّلون البقاء وحدهم وعدم الانتماء إلى أي مجموعة، لكن هذا ليس ما أتحدث عنه في هذا المقال، ولكي نكون واضحين، فإنَّ محاولة الانتماء إلى مجموعات مزيَّفة حتى تشعر بشيء من الرضى هو أمر سيِّئ جداً، والبديل الصحي هو أن تكون جزءاً من عائلة أو مجموعة أشخاص إيجابيين يقدِّمون الدعم لبعضهم بعضاً، وهذا أمر بالغ الأهمية لرفاهيتك.
فيجب أن نحترم جيناتنا، إذا كان أسلافنا ينتمون إلى مجموعات، فلا يمكننا تجاهل ذلك، لكن منذ أن تغيَّر العالم، بدأت حاجتنا إلى الانتماء تتضارب مع مصلحتنا؛ إذ بدأنا في الاهتمام بآراء الغرباء والأشخاص الذين لا يهتمون بنا، فبدلاً من السماح لهؤلاء الأشخاص بالتأثير فيك، انجذب نحو الأشخاص الذين ترتبط بهم بعمق.
ما ستجده هو أنَّك لا تحتاج إلى أن تكون جزءاً من مجموعات أخرى بعد الآن، ففي هذه المرحلة سيرغب الأشخاص في الانتماء إلى حيث تنتمي.
في الختام:
لا شك أنَّنا لا نعيش بمعزل عن بعضنا بعضاً رغم كل التطور التكنولوجي الذي شهده القرن الواحد والعشرين.
فما يجب أن نضعه في الحسبان هو أنَّ الحاجة إلى وجود أشخاص من حولنا هي حاجة طبيعية، لكنَّ الاعتقاد بأنَّ الأشخاص الآخرين هم من يحدِّدون أهميتنا وقيمتنا هو اعتقاد خاطئ، بل سام على صعيد علاقة الشخص مع نفسه ومع الآخرين، فيكفي أن يكون لديك بعض الأشخاص الصادقين والداعمين، وفيما عدا ذلك أنت لا تحتاج سوى إلى نفسك.
المصدر